يعتبر القطاع السياحي من أهم القطاعات الاقتصادية والموارد الهامة التي تعتمد عليها الكثير من الدول في توفير احتياجاتها وسد نفقاتها، حيث يشكل القطاع السياحي رافعة قوية من شأنها أن تساهم في تحقيق دخل متميز لا سيما في البلدان ذات المناطق الجذابة والخلابة أو تلك الدول التي تحظى بتاريخ عريق وبها موروثات وحضارات دينية، ومما لا شك فيه أن فلسطين من البلدان الهامة التي تحظى بتوافد السياح عليها خاصة في بيت لحم والقدس وغزة لما لها من تاريخ عريق، وما تمثله القدس وبيت لحم من أماكن مقدسة يتوافد إليها المصلون من مختلف أنحاء العالم، لكن السياحة في فلسطين تعرضت إلى هجمة شرسة من قبل الاحتلال البغيض خلال الانتفاضة تسببت في تكبد هذا القطاع الهام خسائر جسيمة، هذا فضلاً عن ما خلفه الاحتلال من تركة ثقيلة من السلبيات وحالة من فقدان الأمن وانتشار السلاح وما أصبح يعرف اليوم بالفلتان الأمني، حيث انعكس ذلك سلبًُا على كافة القطاعات وبما فيها قطاع السياحة.
"الزاوية الاقتصادية" تفتح ملف السياحة وتلقى الضوء على واقع هذا القطاع في غزة وتستطلع أراء أصحاب الفنادق والمطاعم السياحية حول همومهم وما آلت إليه أوضاعهم في ظل الظروف الراهنة، وانعكاسات العدوان الإسرائيلي على هذا القطاع الهام.
فنادق ومطاعم سياحية
ينتشر في مدينة غزة وبالتحديد على شاطئ البحر العديد من الفنادق السياحية والمطاعم والكازينوهات التي من أبرز روادها أصحاب النفوذ والأملاك والتجار والوفود السياحية من مختلف دول العالم، بالإضافة إلى كبار الزوار والوفود الرسمية التي تأتي إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، ورغم أن هذه الفنادق بها خدمات متميزة وتعتبر من أرقى الفنادق على مستوى فلسطين، إلا أنها باتت تشكو من تراجع نسبة روادها، بحيث بات يقتصر ذلك على الوفود الرسمية وإقامة ورشات العمل والندوات والمؤتمرات، خاصة في ظل تردي الوضع الأمني وتراجع سيادة القانون وحالة الفلتان التي نعيشها، هذا فضلاً عن تراجع الوضع الاقتصادي برمته، ويعزوا العديد من أصحاب هذه الفنادق أسباب تراجع الموسم السياحي إلى القيود الصارمة التي تفرضها سلطات الاحتلال على الدخول
إلى قطاع غزة والإغلاق للمعابر والحدود بين الحين والآخر مما لا يشجع السياح على القدوم إلى القطاع، باستثناء من له عمل معين أو في مهمة رسمية، ويرى أصحاب الفنادق أن الأوضاع المعيشية بكافة جوانبها ألقت بظلالها على القطاع السياحي وعلى كافة القطاعات، حيث أدى انعدام الأمن إلى هروب المستثمرين الذين يستطيعون إقامة المشاريع الحيوية، وهذا انعكس سلبًا على القطاع السياحي، خاصة وأن هؤلاء المستثمرين والوفود هم من أبرز نزلاء هذه الفنادق، مؤكدين أن الحركة السياحية تراجعت، ولم يعد هناك الوفود السياحية التي كانت تأتي إلى القطاع سواءً من داخل فلسطين المحتلة عام 1948 أو من مختلف دول العالم، مؤكدين أن الوضع الأمني هو السبب الرئيسي في تراجع السياحة.
ولا يختلف حال أصحاب المطاعم والكازينوهات عن حال أصحاب الفنادق، فهم جميعًا يعانون من تدني مستوى الدخل نتيجة انخفاض عدد رواد هذه المطاعم، وخاصة المطاعم السياحية الفخمة، مشيرين إلى أن الوضع الاقتصادي السيئ لعب دورًا أساسيًا في تراجع نسبة المترددين على هذه المطاعم.
ويمكن للمواطن العادي ملاحظة الأوضاع الصعبة التي آلت إليها السياحة في قطاع غزة من خلال انخفاض عدد السياح، خاصة في الأماكن الأثرية التي تكثر في غزة.
تدني رحلات الشباب
هذا وللوقوف على أهمية السياحة من الناحية الاقتصادية، ومدى اعتماد الدول على هذه الصناعة، بالإضافة إلى واقع السياحة في فلسطين التقت "الزاوية الاقتصادية" الدكتور عبد القادر حماد المختص في الجغرافيا السياحية، وله دراسات عديدة في الجغرافية السياحية والسياحة في فلسطين، حيث أكد أن الإحصائيات تظهر تدني رحلات الشباب في الأراضي الفلسطينية للغاية، ويـرى أن هذا التدني بالرغم من وجود وقت فراغ كافي يرجع إلى الأوضاع السياسية والأمنية السـيئة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وتدهور الأوضاع الاقتصادية جراء الحصار الإسرائيلي المشدد على الأراضـي الفلسطينية، فضلاً عن قيام سلطات الاحتلال بتقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية، وإقامة الحواجز العسكرية وفرض الحصار الخارجي والداخلي عليها، مما يعيق تنقل الفلسطينيين.
وأضاف حماد لعـل الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وسيطرة السلطة الوطنية على معبر رفح يشجع على الحركة والقيام برحلات خارجية وداخلية، مما يعزز من النشاط السياحي في القطاع، خاصةً وأن نسبة كبيرة من أبناء الشعب الفلسطيني حرموا طيلة العقود الماضية من السفر والتنقل .
وأوضح أن السياحة تمثل اليوم ظاهرة اقتصادية آخذة في النمو السريع، وأنه بفضل ارتباطها بالحركة أصبحت ذات علاقة بالبيئة سلباً وإيجابًا، ورأى أنه نتيجة للزيادة المستمرة في وقت الفراغ مقابل أوقات العمل، فقد أصـبح واجب على المهتمين بالتخطيط والسياسيين أن يوجهوا طاقات أفراد مجتمعاتهم في أوقات الفراغ بما يفيد المجتمع والأفراد.
وأكد حماد أن فلسطين تعتبر من البلدان النامية ذات التاريخ السياحي العريق، فصناعة السياحة فيها مغرقة في القدم، حتى يمكن القول أنها المنطقة السياحية الأولى في التاريخ التي جذبت السياح والحجاج والزائرين منذ أقدم العصور حتى يومنا الحالي، مشيرًا إلى أن فلسطين بمـا فـي ذلك قطاع غزة تتميز بأهميتها السياحية نظراً لموقعها الجغرافي المتمـيز، ومكانـتها الروحية المقدسة لدى جميع الطوائف الدينية، وذلك رغم التقلبات السياسية الخطيرة التي تعرضت لها خلال العقود الماضية، وما تمخض عنها من اعتداءات بشرية استعمارية.
صناعة المستقبل
وأوضح الدكتور حماد أن السنوات الماضية سجلت زيادة ملحوظة في الاهتمام بالسياحة في مختلف مناطق العالم، حتى أصبحت هذه الصناعة من أهم الموارد الاقتصادية في كثير من دول العالم، لا سيما النامية منها، حيث تدخل هذه الموارد فـي قائمـة الصـادرات غـير المـنظورة، مشيرًا إلى أنها تعمل على نمو الدخل القومي، والتخفيض من عجز ميزان المدفوعـات، وذلـك عـن طريق دخول العملات والاستثمارات الأجنبية، كما تعمل على إيجاد فرص عمل جديدة، وارتفاع مستوى معيشة الأفراد، هذا بالإضافة إلى الآثار الاجتماعية والثقافية التي يتبادلها السياح في تـنقلاتهم مـع شـعوب البلدان السياحية، مؤكدًا أن السياحة تلعب دوراًً كبيرًا في انتقال وتـبادل ثقافـات الشـعوب، والتأثير والتأثر بالمدنيات العريقة، حيث تؤدي إلى اكتساب الفرد السائح ثقافات مختلفة تزداد بازدياد ترحاله من بلد لآخر، وتفتح مداركه وتزيد معلوماته.
وأوضح حماد أنه نتـيجة لـتعدد وتـنوع وتعقد الحياة والتزاماتها ومشكلاتها أخذت السياحة اهتمامًا عالمياً بسبب كثرة الدول والأفراد المشاركين فيها، ورؤوس الأموال التي تنفق عليها، والآثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية المترتبة علـيها، ولهـذا نجـد الدول تتسابق في الاهتمام بالسياحة أملاً في مردودها الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك تـنافس العلـوم في دراستها، لذلك أنشئت لها التخصصات، حيث تعتـبر السياحة من الأنشطة البشرية التي حققت نمواًً كبيرًا خلال العقود القليلة الماضية على مستوى العالم، لكنه أشار إلى أن نسبة النمو تتفاوت بين دولة وأخرى، وأن معظم دول العالم سعت على كافة مراحل نموها إلى الاهـتمام بالنشاط السياحي في اقتصادياتها، حيث صارت السياحة مقبولة لدى كافة دول العالم، مؤكدًا أنه اعتبارًا من أوائـل السـتينات مـن القرن العشرين لم تعد السياحة ترفاً، بل تنامت ونشطت، حتى أصبحت الآن صناعة المستقبل.
إحصائيات وأرقام
وأوضح حماد أن الإحصائيات تشير إلى التطور الكبير في عدد السياح وحجم الإنفاق لحركة السياحة الدولية اعتبارًا من بداية النصـف الثاني للقرن العشرين، حيث ارتفع عدد السياح من 20مليون سائح في العام 1950 إلى 70 مليون سـائح في العام 1960، إلى 165 مليون سائح في العام 1970 ، بينما بلغ عدد السياح 286 مليون سائح في العام 1980، لـيرتفع في العام 1985 إلى 465 مليون سائح، وفي العام 1995 إلى 561 مليون سائح، و 657 مليون سائح فـي العام 1999 ، بينما ارتفع الإنفاق خلال نفس الفترة من 2.1 مليار دولار في العام 1950 ، و 608 مليار دولار فـي العـام 1960، و18 مليار دولار في العام 1970، و 105 مليار دولار في العام 1980، و 265ملـيار دولار فـي العام 1985، و380 مليار دولار في العام 1995، و 455 مليار دولار في العام 1999.
وأكد حماد أن اقتصاديات العديد من الدول المتقدمة والنامية تعتمد على السياحة كأحد القطاعات الاقتصادية الهامة، وتسعى إلى دعمها وتنميتها وتطويرها، مشيرًا إلى أن فلسطين تعتبر من البلدان النامية ذات التاريخ السياحي العريق، فصناعة السياحة فيها مغرقة في القدم، حتى يمكن القول أنها المنطقة السياحية الأولى في التاريخ التي جذبت السياح والحجاج والزائرين منذ أقدم العصور حـتى يومـنا الحالـي، وجدد حماد التأكيد أن فلسطين بما في ذلك قطاع غزة تتميز بأهميتها السياحية، نظراً لموقعهـا الجغرافـي المتمـيز، ومكانـتها الروحية المقدسة لدى جميع الطوائف الدينية، وذلك رغم التقلبات السياسية الخطيرة التي تعرضت لها خلال العقود الماضية، وما تمخض عنها من اعتداءات بشرية استعمارية كـان هدفهـا السـيطرة على هذه البقعة من العالم، بهدف التحكم في عقدة المواصلات، وجسور الاتصالات.
وأضاف حماد أن الاهتمام بهـذه الصناعة يزداد ونحن نضع اللبنات الأولى للدولة الفلسطينية المستقلة، خاصة بعد زوال الاحـتلال الإسـرائيلي عن جزء من الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة، ومن هنا تبرز أهمية مشاركة الجغرافـي فـي التخطيط لهذه الصناعة لكي تكون قائمة على أسس متينة، إذ أنه يمكن القول أن جميع فروع السـياحة ترتبط من قريب أو بعيد بالجغرافيا، ولا تخلو من وجود بعد جغرافي مؤثر بصورة أو بأخرى، لذا فإنه لا غنى عن الدراسات الجغرافية عند التخطيط للتنمية السياحية.
المقومات السياحية في القطاع
وفي معرض إجابته على سؤال حول المواقع الجغرافية السياحية في قطاع غزة أكد الدكتور حماد أنه تتضـافر فـي القطـاع العديد من العوامل الجغرافية الطبيعية والبشرية التي تؤثر على صناعة السياحة، وبالتالـي تحـدد مدى ازدهارها وتطورها، فالموقع الجغرافي، والمناخ المعتدل، وغير ذلك من العوامل يجعل مـنها محـل اهـتمام سياحي دولي، إذا ما تم إبراز الأهمية السياحية لها، وتطوير المواقع السياحية المختلفة، وإعطاء اهتمام أكثر للتسهيلات السياحية المختلفة، بحيث تتوفر جميع المقومات الكافية لتكامل الجذب السياحي فيها .
وأوضح حماد أن موقـع قطاع غزة يتـيح فرصة للجذب السياحي، إذا توفر الاستقرار السياسي والأمن الاقتصـادي، حيـث يمر بها السائحون القادمون عبر القاهرة باتجاه الضفة الغربية بما في ذلك، القدس الشـريف وباقـي أنحاء الأراضي المقدسة، مما يعطي لها فرصة أن يقضي بها السياح والحجاج بعض الوقت لزيارة معالمها السياحية التي تختلف عن المعالم الأخرى في القدس والضفة الغربية، ومـن هـنا قال حماد تأتـي أهمية بسط السيادة الوطنية على معبر رفح باعتباره المعبر الدولي الوحيد على العالم الخارجي، مع التأكيد على ضرورة رفض أية شروط أو املاءات إسرائيلية بخصوص القادمين عبر هذا المعبر، مع ضمان حرية الحركة على جميع المعابر الأخرى خاصة معبر بيت حانون شمال قطاع غزة.
وتطرق حماد إلى أهمية المناخ في تشجيع السياحة قائلاً: ليس بمقدور أحد نكران أهمية المناخ في حياة الإنسان، وممارسة أنشطته الحياتية المختلفة، مؤكدًا أن السياحة أحد تلـك الأنشـطة التي يلعب المناخ فيها دوراً هاماً، خاصة في المناطق التي لا يتوفر فيها المناخ السياحي الملائـم والمريح الذي يشكل مطلباً جوهرياً للإنسان ليزيل عن كاهله تعب الأيام الطوال من السنة ليجدد نشـاطه وحيويته بالانتقال إلى أماكن يتوفر فيها ما يفتقد إليه في مكان لإقامته الأساسي، مؤكدًا أن المـناخ بعناصره المختلفة المتمثلة في درجة الحرارة، الرطوبة النسبية، المطر، والرياح يؤثر بصورة مباشرة على جسم الإنسان وحياته الاجتماعية والروحية، ولهذا نجد أن المناخ الذي يتقبله الإنسان ويعمـل فيه هو المناخ الدافئ والمشمس ذو الرياح المعتدلة، لا سيما وأن جسم الإنسان وحالته النفسية تتأثران بالمناخ الذي يحيط به .
الجذب السياحي
وأكد حماد أن المناخ المعتدل يعتبر عاملاً هاماً في الجذب السياحي سواء بالنسبة للسياحة الخارجية الدولية أو السياحة الداخلـية، فالسائح يحدد مناطق زيارته في ضوء المناخ الملائم لحاجاته وتحركاته في داخل الإقليم، على الـرغم من أن المناخ المثالي للاستجمام والترويح لا وجود له في أية منطقة في العالم، كما أشار حماد إلى أن درجـة الحـرارة تعد أهـم عنصر مناخي سياحياً، لما لدرجة الحرارة من تأثير هام في حياة الإنسان ونشـاطه، وبالتالـي فهي عنصر جذب سياحي هام، ومحرك للسياح في محيط دائرة سياحتهم.
وعلى صعيد آخر أكد حماد على أهمية اعتدال نسبة الرطوبة في جذب السياح، مؤكدًا أن نسبة الرطوبة في قطاع غزة هي نسبة عادية، وبالتالي تكون ملائمة بصفة عامة للأنشطة السياحية، ولا تشكل عائقاً أمام الحركة السياحية .
كذلك سطوع الشمس من العناصر المناخية الهامة للجذب السياحي، وخاصة في فصل الشتاء، كما أنها من العناصر التي تؤثـر في التنمية السياحية، حيث تمتاز فلسطين بصفة عامة بشمسها المشرقة، ومناخها المعتدل، وأوضح أن قطاع غزة من الأقاليم التي تسطع بها الشمس لفترات طويلة.
ومن جهة أخرى أكد حماد أن مظاهـر السطح وطبوغرافية قطاع غزة تعد من المقومات الجغرافية الهامة التي من الممكن أن تلعب دوراً هامـاً فـي الجذب السياحي إلى القطاع، خاصة وأن تضاريس القطاع تعتبر جزءاً متقلصاً من السهل الساحلي الفلسـطيني الممـتد مـن أقدام جبال الكرمل الغربية في الشمال حتى شبه جزيرة سيناء في الجنوب الغربي .
ويلـتحم فـي الشـرق بتلال أقدام الجبال الفلسطينية ومرتفعات النقب، وينتهي في الغرب على شاطئ البحر المتوسـط بخـط سـاحلي شبه مستقيم، مقوس نحو البر قليلاً ويرتفع السطح العام للسهل الساحلي وأراضي القطـاع باتجـاه الشرق والمرتفعات الفلسطينية حتى يصل إلى ارتفاع 200 متر، حيث مـن الممكـن اسـتغلال هذا المظهر الطبيعي في إقامة العديد من المناطق السياحية وأماكن الجذب السـياحي مثل المتنزهات والساحات الخضراء، وإقامة مرافق سياحية متعددة الأغراض، مثل صالات ضخمة تخصص للمسابقات وإقامة المهرجانات الدولية والأسواق السياحية.
السياحة الترفيهية
وأوضح حماد أن وزارة التخطيط والتعاون الدولي قامت بإعداد مخطط متكامل لمنطقة الساحل في قطاع غزة، ومن الطبيعي بعد زوال الاحـتلال عـن القطاع أن يتم إحياء هذا المشروع الحيوي الهام، ليكون القاعدة الصلبة التي تقوم عليها تنمية القطاع السياحي ومن الممكن استغلالها في عملية النشاط السياحي داخل القطاع .
وتابع حماد يقول: إن قطاع غزة تتنوع به المقومات الطبيعية التي تعطي مجالاً للتنوع السياحي مثل السياحة الترفيهـية، مثل سياحة الصيد البحري، وسياحة اللهو وقضاء أوقات الفراغ المختلفة، فهو يطل على البحر الأبيض المتوسـط الـذي يمكن استغلاله في ممارسة صيد الأسمال وتشجيع هذه الهواية، وإقامة المهرجانات الدولية الخاصـة بذلك، بالإضافة إلى رياضة التجديف والتزحلق على الماء، كما يمكن للسائحين القيام بنزهة بحرية وذلك من خلال سفن سياحية متخصصة، واستقبال سفن سياحية مماثلة .
وأضاف أنه يمكـن تشـجيع السياح على زيـارة قطاع غزة للاستمتاع بالشمس المشرقة الدافئة، خاصة في ظل عدم وجود العواصـف والرياح العنيفة، فضلاً عن تشجيع السياحة الريفية، في الأجزاء المتبقية من الريف الفلسطيني في القطاع، خاصةً في منطقة المواصي التي تعتبر من أجمل البقاع التي يجد فيها الإنسان متعته، حيث الهواء العلـيل والـثمار والأشـجار المثمرة خاصة الجوافة والنخيل، وشاطئ البحر برماله الصفراء.
وعلى صعيد آخر اعتـبر حماد المقومـات البشـرية من عناصر البنية الأساسية التي يجب أن تتوفر وتعمل بكفاءة حتى يمكن توفير التسهيلات والخدمات المختلفة التي تعمل على الجذب السياحي، مشيرًا إلى أن المقومات والعوامل البشرية المؤثرة في السياحة كظاهرة وصناعة تتعدد لتشمل وقت الفراغ ومستوى الدخل وتركيـب السـكان العمري والاقتصادي والنقل والاستعمار القديم والدافع الديني والعامل التاريخي ورأس المال والدعاية والإعلام السياحي، بالإضافة إلى العوامل الثقافية التي تشتمل على المهرجانات والكرنفالات والمتاحف والمعـارض والأسـواق الدولية وأحوال الشعوب وصناعاتهم اليدوية وأساليب حياتهم.
الأهمية الدينية
ومن جهة أخرى أكد حماد أن قطـاع غـزة يعتبر ذو أهمـية دينية باعتباره جزءاً أصيلاً من الأراضي الفلسطينية الذي يضم العديد من المـزارات الدينـية الإسلامية والمسيحية التي تعتبر قبلة لكثير من الحجاج والسياح، و أضاف: لاشك أن وجود هذه الأماكـن يلعب دوراً مباشراً في تنشيط الحركة السياحية الداخلية والدولية، إذا توفرت الشروط الخاصة بذلك، مثل القيام بحملة إعلامية منظمة تظهر الأهمية الدينية والسياحية لقطاع غزة في الخارج، إضافة إلى الاهتمام بتأهيل هذه المزارات والمواقع الدينية لتكون جاهزة لاستقبال الحجاج والسياح من مختلف الأصقاع.
وأكد حماد أن القطـاع السـياحي يلعب دوراً رئيسـيًا في تشكيل الدخل القومي في فلسطين، فضلاً عن أنه يستوعب في الظـروف العاديـة أعـدادًا كبيرة من الأيدي العاملة، الأمر الذي يساهم في توفير فرص العمل للعاطلين عن العمـل، لا سـيما بعـد الانسـحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وسيطرة السلطة الوطنية على معبر رفح، ورأى أن ذلك يفتح مجـالات جديدة لم تكن موجودة أصلاً قبل هذا النشاط الخدمي الجديد مما يحقق أحد أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية المرجوة.
وبالـرغم من أنه من الصعب تحديد أعداد العاملين في القطاع السياحي في قطاع غزة بشكل دقيق، جراء الـتذبذب فـي أعداد العاملين خلال السنوات الماضية، فضلاً عن دمج إحصاءات العاملين في هذا القطاع مع قطاعـات أخـرى، وكذلـك تداخـل السياحة بالقطاعات الأخرى، مما أدى الى صعوبة تصنيف العاملين في السـياحة بشكل مباشر، والعاملين فيه بشكل جزئي من خلال القطاعات الأخرى، إلا أنه من الأهمية الاهتمام بقطاع العمالة في القطاع السياحي لما لذلك من تأثير مباشر على هذا القطاع.
العاملون في القطاع السياحي
وأفاد حماد أن الإحصاءات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تشير إلى أن نسبة العاملين من قطاع غزة في التجارة والمطاعم والفنادق بلغت 15.6%من إجمالي العاملين في العام 2004 ، كما بلغت نسبة العاملين مـن الذكور في ذات المجال 17.2%من إجمالي الذكور العاملين خلال نفس الفترة، بينما بلغت نسبة الإناث العاملات
5.3 %من إجمالي الإناث العاملات.
وأوضح حماد أنه يلاحـظ تذبـذب أعـداد العاملين في هذا القطاع خلال الفترة من 1995 وحتى العام 2004 ، مشيرًا إلى أنه بلغ عدد العاملين في قطاع التجارة والمطاعم والفنادق 19.6 % في العام 1995، و 17.5 %في العام 2000، و19.4% في العام 2004، حيث بلـغ عدد العاملين في المنشآت السياحية في قطاع غزة 591 عامل في نهاية العام 2000 من إجمالي عدد العامليـن فـي المنشـآت السـياحية فـي الضـفة الغربية وقطاع غزة، والبالغ عددهم 5297 عامل بحسب الإحصاءات الصادرة عن وزارة السياحة والآثار.
وأوضح أن نسبة العاملات في القطاع السياحي في العام 2000 بلغت حوالي 3% من إجمالي العاملين في هذا المجال، وبـناء عليه خلص حماد للقول أن هناك نسبة من العاملين في القطاع السياحي يمكن الاعتماد عليها، خاصة وأنـه لديهـا الـتجربة الجيدة في هذا المجال، والتي يمكن إعادة تأهيلها وتطويرها بشكل يتلائم مع التطلعات السـياحية الجديـدة في القطاع، خاصةً وأنه تتوافر الآن كلية متخصصة في الدراسات السياحية، إضافة إلى أقسـام متخصصة في الكليات والمؤسسات التعليمية في قطاع غزة، مما يساهم بتوفير الأيدي العاملة المدربة والقادرة على النهوض بهذا القطاع الحيوي والهام.
ورأى حماد أنه يمكن أن تساهم الجامعات بصورة جادة في الدفع باتجاه عملية التنمية السياحية، وذلك باعتبار أن نجاح عملية التنمـية السياحية لا يتوقع أن يتم بمعزل عن النظام التعليمي في المجتمع، مؤكدًا أن الجامعات ومؤسسات التعليم العالي على اختلافها تعتبر من أهم عناصر هذا النظام.
الآثار التاريخية
وحول الآثار التاريخية وأهميتها في تنشيط العملية السياحية ومدى توفر هذه الآثار في قطاع غزة أكد حماد أن قطـاع غزة يعتبر من المناطق الغنية بالآثار التاريخية المختلفة، إلا أن الكثير منها اندثر أو دمر أو نهب خـلال العقود الماضية، ورغم ذلك أوضح حماد أنه مازالت محافظات القطاع تزخر بمعالمها الإسلامية والمسيحية، ومبانيها التاريخية، التي تعود الى فترات تاريخية متفاوتة .
وأضاف: لاشـك أن المعـالم الأثرية والمخلفات الحضارية تشكل قوة جذب للسياح الأجانب، يضاف الى ذلك، الطابع الشـرقي الأصـيل الذي خلفه شعب فلسطين العربي على أرضه عبر قرون طويلة ومتواصلة، وإلى الميزات والصـفات الشـرقية التي يمتاز بها العربي من كرم وحسن ضيافة، فضلاً عن العـادات والتقالـيد والأنماط السلوكية المختلفة التي تعتبر من عوامل الجذب السياحي، ويمكن استخدامها في التنمية السياحية في قطاع غزة .
وأوضح حماد أن محافظة شمال غزة تضم العديد من المعالم الحضارية وأماكن الجذب السياحي، حيث يعتبر وادي بيت حانون وتل النصر من المعالم الطبوغرافية المميزة في بيت حانون شمال القطاع، وقد كان للاثنين دور عسكري مهم أثناء الحروب الصليبية، هذا الى جانب جامع النصر الذي يذكر أنه بني سنة 637هجري( 1239م ) على يد الأمير شـمس الديـن سـنقر، بمناسبة انتصار المسلمين تحت قيادة هذا الأمير على الصليبيين بقيادة الكونت هنري دوبـار، وبالقرب من الموقع هناك مقبرة لشهداء المسلمين الذين سقطوا في هذه المعركة، وأضاف حماد أن بيت حانون تتميز بزراعة أشجار الحمضيات والزيتون والعنب والتفاح وغيرها، أما بيت لاهيا التي تبعد حوالي 7 كم شمالي غربي غزة، وتحيط بها الكثبان الرملية من جميع جهاتها، فقد كشف المنقـبون علـى تل الذهب التابع لبيت لاهيا على كميات من الفخار والزجاج، بالإضافة إلى عملات معدنية كثيرة مما يشير إلى مستوطنة بيزنطية كبيرة على التل، وتتميز بيت لاهيا بزراعة الأشجار المثمرة خاصة " التفاح اللهواني" كمـا اشتهرت خلال السنوات القليلة الماضية بزراعة التوت الأرضي والزهور التي تجد طريقها الى الأسواق الأوربية.
مقبرة رومانية
أمـا بلدة جباليا قال حماد فهي تتميز بزراعة الحمضيات والزيتون والعنب، فقد كشفت دائرة الآثار الفلسطينية في غزة عن آثار مقبرة رومانية بيزنطية على الجهة الغربية من تل جباليا الواقع شمالي شارع بيت حانون – غزة الرئيسـي، وتحتوي المقبرة على نظامين للدفن يعود تاريخهما الى الفترات الرومانية والبيزنطية، مشيرًا إلى أن النظام الأول يضم مجموعـة من القبور محفورة في الصخر الكركار، ويضم الثاني قبوراً سطحية منفردة في نفس النوع مـن الـتربة، وهي تأخذ اتجاه شرق غرب، ومغطاة ببلاط من الحجر الرملي، وقد اكتشف في المقبرة أيضاً الكثـير مـن القطـع الفخارية ومصابيح الزيت الرومانية والبيزنطية، بالإضافة إلى قنان من الزجاج، وأساور
وأقـراط ذهبـية وبعض القطع النقدية الذهبية التي يعود تاريخها الى القرن السادس الميلادي، وأوضح حماد أنه على بعد مائة متر من المقبرة اكتشفت أرضية فسيفسائية على يد نفس الدائرة في العام 1997م، ويبدو أن الأرضية جزء من بناء بيزنطي يضم كنيسة بها ممرات وغرف للاستعمال الديني أو الدنيوي.
وأشار حماد إلى الجامع العمري الكبير الذي يعتبر من الجوامع العظمى في فلسطين، وهو ضخم البناء والقيمة الأثرية، وجميل الشكل والهندسة، وبجانبه مكتبة عامرة منذ القدم والى الآن، ويقع في قلب البلدة القديمة في حي الدرج.
ويعتـبر الجامع الكبير الذي لا يعرف على وجه الدقة متى أنشئ، وجامع الشيخ برجس ومقام الشيخ/ محمد المشيش المغربي من أهم المعالم الدينية في جباليا.
محافظة غزة
تقع مدينة غزة على ملتقى طرق تجارية هامة منذ التاريخ القديم، وكانت القوافل تحمل إليها بضائعها المختلفة، وقد مر عدد كبير من العرب في مدينة غزة وعرفوها، ففيها قبر هاشم جد النبي عليه السلام، كما عرفت غزة عـبد الله والد النبي، وأبو سفيان وعمرو بن العاص وعمر بن الخطاب الذي كان أثرى من الاتجار فيها، وفـي عهد المماليك أصبحت غزة من أهم مراكز البريد الذي كان معاوية أول من أدخله في تنظيم دولته وعممه عبد الملك، وقد اهتم السلطان بيبرس بأمر البريد ونظمـه، وكانت طريق الشام عامرة ففي كل مركز بريد ما يحتاج إليه المسافر من زاد له وعلف لدابته.
وفي حديثه حول المعالم الحضارية والأثرية في مدينة غزة أوضح حماد أنه من أهم هذه المعالم هو جامع الخليفة عمر بن الخطاب الذي يعتبر أقدم جامع في المدينة، وبجواره قيصـرية غـزة أو سـوق الذهب، وهو عبارة عن شارع مسقوف بعقد أسطواني يبلغ طوله 50 متراً، وعرضه أقل من 3 أمتار وهو واحد من أقدم وأهم الأسواق في المدينة. كما أشار إلى حمام السمرة وهو الحمام الوحيد الذي مازال مستخدماً في مدينة غزة حتى اليوم، علماً بأن المدينة كانت تحـتوي علـى ستة حمامات مملوكية وتركية، ويعود تاريخ الحمام الى الفترة الرومانية بحسب ما هو منقوش على حجر التأسيس فوق الباب الرئيسي.
وفي حديثه حول المقدسات المسيحية الموجودة في غزة أشار حماد إلى كنيسـة القديـس بورفـيريوس التي تقع في شارع رأس التلة في حي الزيتون، وقد بنيت إبان عه الإمبراطور اركـاديوس عام 420 -395 م) مـن قـبل مطران غزة في ذلك الحين القديس بورفيريوس، وهي محاطة من الجهـات الشـرقية الشـمالية والغربية بمقبرة بيزنطية مازالت مستخدمة حتى الآن من قبل الأقلية المسيحية الصـغيرة الموجـودة في غزة، وأشار إلى أن كنيسة القديس بورفيريوس تحتفظ بقبر أسقف غزة.
كما أشار حماد إلى قصـر الباشا وهو واحد من المواقع التاريخية المهمة وواحد من أجمل المباني في حي الدرج فـي المدينة، ولا يوجد في البناء أية نقوش تدل على تأسيسه، ويقال أن السلطان المملوكي المعروف الظاهر بيـبرس هـو أول من شيد هذا القصر الذي تمثل عمارته وزخرفته نموذجاً للعمـارة والفن الإسلامي في الفترة المملوكية، وقد استخدم القصر كمقر للوالي التركي خلال الفترة العثمانية، ويعـتقد الـبعض أن نابليون استخدم المكان مركزًا لقيادة حملته على عكا سنة 1799 م، وخلال الانتداب كان القصر مركزًا للشرطة، أما الآن فقد تحول الى متحف آثري.
مسجد السيد هاشم
وأشار حماد إلى مسـجد السيد هاشم الذي يعد من أبرز الأماكن الأثرية في غزة، مشيرًا إلى أنه سمي بهذا الاسم نسبة إلى هاشم جد النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ويعد واحداً من أروع المبانـي التاريخـية فـي مديـنة غـزة، وهو مبني من حجارة قديمة تعود لمبان سابقة جرى هدمها، وخصوصـاً مسـجد الجاولي في حي الزيتون، والبلاخية التي أحضروا منها خمسة أعمدة استعملوها في بناء المسجد، والراجح أن المماليك هم أول من أنشأه، وقد جدده السلطان عبد المجيد العثماني سنة 1850 م، وأوضح أن غـزة تضم كذلـك عشرات المساجد الأثرية المختلفة مثل زاويـة الشـيخ أحمد البدوي، وجامع المحكمة، وجامع ابن عثمان، وسبيل السلطان عبد الحميد الثاني، وقبر شمشـون الجـبار أو مقـام الشـيخ أبـو العزم، وميناء غزة البحري القديم، إضافة إلى الأرضية الفسيفسائية البيزنطية على شاطئ غزة، وتل المنطار الذي يقع على قمته جامع المنطار، وتل العجول ووادي غـزة حيث يعود تاريخ الاستيطان البشري في الوادي الى الألف الرابعة قبل الميلاد، ناهـيك عـن الكثير من المباني التاريخية القديمة.
وفي السياق نفسه استعرض حماد المواقع الأثرية الموجودة في خانيونس والتي تعتبر من أهم المواقع السياحية، مشيرًا إلى أن محافظة خـان يونس هي ثاني أكبر مدينة في قطاع غزة، وقد نشأت المدينة حول الخان المملوكي المعروف بهذا الاسـم وهو الخان الذي شيده الأمير يونس بن عبد الله النوروزي الدودار السكرتير التنفيذي للسلطان الظاهر برقوق عام 789 هجري- 1387 ميلادي، ويطلق عليه السكان المحليون اسم القلعة، وكان الغرض من بناء هذه القلعة حماية الـتجار، وتأمين سلامة الطرق البرية التي تربط بين مصر وبلاد الشام، هذا ولا تزال بعض مباني هذه القلعة باقية حتى اليوم وسط المدينة، ويوجد في هذه القلعة مسجد قديم هدمت مئذنته، وأوضح حماد أن مـن المواقـع التاريخية المهمة المكتشفة حديثًا أرضية فسيفسائية في عبسان الكبيرة التي يعود تاريخها إلى بدايـة القـرن السـابع الميلادي، وقبر بيزنطي مبني من الحجر الرملي، وكذلك مقام خليل الرحمن على بعد حوالي 6 كم الى الشمال من الأرضية الفسيفسائية البيزنطية، حيث تقول الروايات أن إبراهيم الخليل توقف في هذه البقعة خلال رحلته بين مصر والخليل عبر بئر السبع.
كما أشار حماد إلى المواقع الأثرية في مدينة رفح التي تقـع على بعد 38 كم جنوبي مدينة غزة والمدينة مشهورة بكونها المدينة التي جرت فيها الاحتفالات بعرس كليوباترا، وفيها يمكن رؤية بقايا معابد للآلهة الرومانية، أرتيمس، وأبولون، مشيرًا إلى أن تل الخرائب الكائن على شاطئ البحر في رفح يحتوي على آثار قديمة تعـود إلى العهد الروماني، كما عثر في تل رفح على كثير من الآثار الرومانية القديمة مثل التوابيت الحجرية والأواني الفخارية والعملات المعدنية.
"الزاوية الاقتصادية" تفتح ملف السياحة وتلقى الضوء على واقع هذا القطاع في غزة وتستطلع أراء أصحاب الفنادق والمطاعم السياحية حول همومهم وما آلت إليه أوضاعهم في ظل الظروف الراهنة، وانعكاسات العدوان الإسرائيلي على هذا القطاع الهام.
فنادق ومطاعم سياحية
ينتشر في مدينة غزة وبالتحديد على شاطئ البحر العديد من الفنادق السياحية والمطاعم والكازينوهات التي من أبرز روادها أصحاب النفوذ والأملاك والتجار والوفود السياحية من مختلف دول العالم، بالإضافة إلى كبار الزوار والوفود الرسمية التي تأتي إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، ورغم أن هذه الفنادق بها خدمات متميزة وتعتبر من أرقى الفنادق على مستوى فلسطين، إلا أنها باتت تشكو من تراجع نسبة روادها، بحيث بات يقتصر ذلك على الوفود الرسمية وإقامة ورشات العمل والندوات والمؤتمرات، خاصة في ظل تردي الوضع الأمني وتراجع سيادة القانون وحالة الفلتان التي نعيشها، هذا فضلاً عن تراجع الوضع الاقتصادي برمته، ويعزوا العديد من أصحاب هذه الفنادق أسباب تراجع الموسم السياحي إلى القيود الصارمة التي تفرضها سلطات الاحتلال على الدخول
إلى قطاع غزة والإغلاق للمعابر والحدود بين الحين والآخر مما لا يشجع السياح على القدوم إلى القطاع، باستثناء من له عمل معين أو في مهمة رسمية، ويرى أصحاب الفنادق أن الأوضاع المعيشية بكافة جوانبها ألقت بظلالها على القطاع السياحي وعلى كافة القطاعات، حيث أدى انعدام الأمن إلى هروب المستثمرين الذين يستطيعون إقامة المشاريع الحيوية، وهذا انعكس سلبًا على القطاع السياحي، خاصة وأن هؤلاء المستثمرين والوفود هم من أبرز نزلاء هذه الفنادق، مؤكدين أن الحركة السياحية تراجعت، ولم يعد هناك الوفود السياحية التي كانت تأتي إلى القطاع سواءً من داخل فلسطين المحتلة عام 1948 أو من مختلف دول العالم، مؤكدين أن الوضع الأمني هو السبب الرئيسي في تراجع السياحة.
ولا يختلف حال أصحاب المطاعم والكازينوهات عن حال أصحاب الفنادق، فهم جميعًا يعانون من تدني مستوى الدخل نتيجة انخفاض عدد رواد هذه المطاعم، وخاصة المطاعم السياحية الفخمة، مشيرين إلى أن الوضع الاقتصادي السيئ لعب دورًا أساسيًا في تراجع نسبة المترددين على هذه المطاعم.
ويمكن للمواطن العادي ملاحظة الأوضاع الصعبة التي آلت إليها السياحة في قطاع غزة من خلال انخفاض عدد السياح، خاصة في الأماكن الأثرية التي تكثر في غزة.
تدني رحلات الشباب
هذا وللوقوف على أهمية السياحة من الناحية الاقتصادية، ومدى اعتماد الدول على هذه الصناعة، بالإضافة إلى واقع السياحة في فلسطين التقت "الزاوية الاقتصادية" الدكتور عبد القادر حماد المختص في الجغرافيا السياحية، وله دراسات عديدة في الجغرافية السياحية والسياحة في فلسطين، حيث أكد أن الإحصائيات تظهر تدني رحلات الشباب في الأراضي الفلسطينية للغاية، ويـرى أن هذا التدني بالرغم من وجود وقت فراغ كافي يرجع إلى الأوضاع السياسية والأمنية السـيئة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وتدهور الأوضاع الاقتصادية جراء الحصار الإسرائيلي المشدد على الأراضـي الفلسطينية، فضلاً عن قيام سلطات الاحتلال بتقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية، وإقامة الحواجز العسكرية وفرض الحصار الخارجي والداخلي عليها، مما يعيق تنقل الفلسطينيين.
وأضاف حماد لعـل الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وسيطرة السلطة الوطنية على معبر رفح يشجع على الحركة والقيام برحلات خارجية وداخلية، مما يعزز من النشاط السياحي في القطاع، خاصةً وأن نسبة كبيرة من أبناء الشعب الفلسطيني حرموا طيلة العقود الماضية من السفر والتنقل .
وأوضح أن السياحة تمثل اليوم ظاهرة اقتصادية آخذة في النمو السريع، وأنه بفضل ارتباطها بالحركة أصبحت ذات علاقة بالبيئة سلباً وإيجابًا، ورأى أنه نتيجة للزيادة المستمرة في وقت الفراغ مقابل أوقات العمل، فقد أصـبح واجب على المهتمين بالتخطيط والسياسيين أن يوجهوا طاقات أفراد مجتمعاتهم في أوقات الفراغ بما يفيد المجتمع والأفراد.
وأكد حماد أن فلسطين تعتبر من البلدان النامية ذات التاريخ السياحي العريق، فصناعة السياحة فيها مغرقة في القدم، حتى يمكن القول أنها المنطقة السياحية الأولى في التاريخ التي جذبت السياح والحجاج والزائرين منذ أقدم العصور حتى يومنا الحالي، مشيرًا إلى أن فلسطين بمـا فـي ذلك قطاع غزة تتميز بأهميتها السياحية نظراً لموقعها الجغرافي المتمـيز، ومكانـتها الروحية المقدسة لدى جميع الطوائف الدينية، وذلك رغم التقلبات السياسية الخطيرة التي تعرضت لها خلال العقود الماضية، وما تمخض عنها من اعتداءات بشرية استعمارية.
صناعة المستقبل
وأوضح الدكتور حماد أن السنوات الماضية سجلت زيادة ملحوظة في الاهتمام بالسياحة في مختلف مناطق العالم، حتى أصبحت هذه الصناعة من أهم الموارد الاقتصادية في كثير من دول العالم، لا سيما النامية منها، حيث تدخل هذه الموارد فـي قائمـة الصـادرات غـير المـنظورة، مشيرًا إلى أنها تعمل على نمو الدخل القومي، والتخفيض من عجز ميزان المدفوعـات، وذلـك عـن طريق دخول العملات والاستثمارات الأجنبية، كما تعمل على إيجاد فرص عمل جديدة، وارتفاع مستوى معيشة الأفراد، هذا بالإضافة إلى الآثار الاجتماعية والثقافية التي يتبادلها السياح في تـنقلاتهم مـع شـعوب البلدان السياحية، مؤكدًا أن السياحة تلعب دوراًً كبيرًا في انتقال وتـبادل ثقافـات الشـعوب، والتأثير والتأثر بالمدنيات العريقة، حيث تؤدي إلى اكتساب الفرد السائح ثقافات مختلفة تزداد بازدياد ترحاله من بلد لآخر، وتفتح مداركه وتزيد معلوماته.
وأوضح حماد أنه نتـيجة لـتعدد وتـنوع وتعقد الحياة والتزاماتها ومشكلاتها أخذت السياحة اهتمامًا عالمياً بسبب كثرة الدول والأفراد المشاركين فيها، ورؤوس الأموال التي تنفق عليها، والآثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية المترتبة علـيها، ولهـذا نجـد الدول تتسابق في الاهتمام بالسياحة أملاً في مردودها الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك تـنافس العلـوم في دراستها، لذلك أنشئت لها التخصصات، حيث تعتـبر السياحة من الأنشطة البشرية التي حققت نمواًً كبيرًا خلال العقود القليلة الماضية على مستوى العالم، لكنه أشار إلى أن نسبة النمو تتفاوت بين دولة وأخرى، وأن معظم دول العالم سعت على كافة مراحل نموها إلى الاهـتمام بالنشاط السياحي في اقتصادياتها، حيث صارت السياحة مقبولة لدى كافة دول العالم، مؤكدًا أنه اعتبارًا من أوائـل السـتينات مـن القرن العشرين لم تعد السياحة ترفاً، بل تنامت ونشطت، حتى أصبحت الآن صناعة المستقبل.
إحصائيات وأرقام
وأوضح حماد أن الإحصائيات تشير إلى التطور الكبير في عدد السياح وحجم الإنفاق لحركة السياحة الدولية اعتبارًا من بداية النصـف الثاني للقرن العشرين، حيث ارتفع عدد السياح من 20مليون سائح في العام 1950 إلى 70 مليون سـائح في العام 1960، إلى 165 مليون سائح في العام 1970 ، بينما بلغ عدد السياح 286 مليون سائح في العام 1980، لـيرتفع في العام 1985 إلى 465 مليون سائح، وفي العام 1995 إلى 561 مليون سائح، و 657 مليون سائح فـي العام 1999 ، بينما ارتفع الإنفاق خلال نفس الفترة من 2.1 مليار دولار في العام 1950 ، و 608 مليار دولار فـي العـام 1960، و18 مليار دولار في العام 1970، و 105 مليار دولار في العام 1980، و 265ملـيار دولار فـي العام 1985، و380 مليار دولار في العام 1995، و 455 مليار دولار في العام 1999.
وأكد حماد أن اقتصاديات العديد من الدول المتقدمة والنامية تعتمد على السياحة كأحد القطاعات الاقتصادية الهامة، وتسعى إلى دعمها وتنميتها وتطويرها، مشيرًا إلى أن فلسطين تعتبر من البلدان النامية ذات التاريخ السياحي العريق، فصناعة السياحة فيها مغرقة في القدم، حتى يمكن القول أنها المنطقة السياحية الأولى في التاريخ التي جذبت السياح والحجاج والزائرين منذ أقدم العصور حـتى يومـنا الحالـي، وجدد حماد التأكيد أن فلسطين بما في ذلك قطاع غزة تتميز بأهميتها السياحية، نظراً لموقعهـا الجغرافـي المتمـيز، ومكانـتها الروحية المقدسة لدى جميع الطوائف الدينية، وذلك رغم التقلبات السياسية الخطيرة التي تعرضت لها خلال العقود الماضية، وما تمخض عنها من اعتداءات بشرية استعمارية كـان هدفهـا السـيطرة على هذه البقعة من العالم، بهدف التحكم في عقدة المواصلات، وجسور الاتصالات.
وأضاف حماد أن الاهتمام بهـذه الصناعة يزداد ونحن نضع اللبنات الأولى للدولة الفلسطينية المستقلة، خاصة بعد زوال الاحـتلال الإسـرائيلي عن جزء من الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة، ومن هنا تبرز أهمية مشاركة الجغرافـي فـي التخطيط لهذه الصناعة لكي تكون قائمة على أسس متينة، إذ أنه يمكن القول أن جميع فروع السـياحة ترتبط من قريب أو بعيد بالجغرافيا، ولا تخلو من وجود بعد جغرافي مؤثر بصورة أو بأخرى، لذا فإنه لا غنى عن الدراسات الجغرافية عند التخطيط للتنمية السياحية.
المقومات السياحية في القطاع
وفي معرض إجابته على سؤال حول المواقع الجغرافية السياحية في قطاع غزة أكد الدكتور حماد أنه تتضـافر فـي القطـاع العديد من العوامل الجغرافية الطبيعية والبشرية التي تؤثر على صناعة السياحة، وبالتالـي تحـدد مدى ازدهارها وتطورها، فالموقع الجغرافي، والمناخ المعتدل، وغير ذلك من العوامل يجعل مـنها محـل اهـتمام سياحي دولي، إذا ما تم إبراز الأهمية السياحية لها، وتطوير المواقع السياحية المختلفة، وإعطاء اهتمام أكثر للتسهيلات السياحية المختلفة، بحيث تتوفر جميع المقومات الكافية لتكامل الجذب السياحي فيها .
وأوضح حماد أن موقـع قطاع غزة يتـيح فرصة للجذب السياحي، إذا توفر الاستقرار السياسي والأمن الاقتصـادي، حيـث يمر بها السائحون القادمون عبر القاهرة باتجاه الضفة الغربية بما في ذلك، القدس الشـريف وباقـي أنحاء الأراضي المقدسة، مما يعطي لها فرصة أن يقضي بها السياح والحجاج بعض الوقت لزيارة معالمها السياحية التي تختلف عن المعالم الأخرى في القدس والضفة الغربية، ومـن هـنا قال حماد تأتـي أهمية بسط السيادة الوطنية على معبر رفح باعتباره المعبر الدولي الوحيد على العالم الخارجي، مع التأكيد على ضرورة رفض أية شروط أو املاءات إسرائيلية بخصوص القادمين عبر هذا المعبر، مع ضمان حرية الحركة على جميع المعابر الأخرى خاصة معبر بيت حانون شمال قطاع غزة.
وتطرق حماد إلى أهمية المناخ في تشجيع السياحة قائلاً: ليس بمقدور أحد نكران أهمية المناخ في حياة الإنسان، وممارسة أنشطته الحياتية المختلفة، مؤكدًا أن السياحة أحد تلـك الأنشـطة التي يلعب المناخ فيها دوراً هاماً، خاصة في المناطق التي لا يتوفر فيها المناخ السياحي الملائـم والمريح الذي يشكل مطلباً جوهرياً للإنسان ليزيل عن كاهله تعب الأيام الطوال من السنة ليجدد نشـاطه وحيويته بالانتقال إلى أماكن يتوفر فيها ما يفتقد إليه في مكان لإقامته الأساسي، مؤكدًا أن المـناخ بعناصره المختلفة المتمثلة في درجة الحرارة، الرطوبة النسبية، المطر، والرياح يؤثر بصورة مباشرة على جسم الإنسان وحياته الاجتماعية والروحية، ولهذا نجد أن المناخ الذي يتقبله الإنسان ويعمـل فيه هو المناخ الدافئ والمشمس ذو الرياح المعتدلة، لا سيما وأن جسم الإنسان وحالته النفسية تتأثران بالمناخ الذي يحيط به .
الجذب السياحي
وأكد حماد أن المناخ المعتدل يعتبر عاملاً هاماً في الجذب السياحي سواء بالنسبة للسياحة الخارجية الدولية أو السياحة الداخلـية، فالسائح يحدد مناطق زيارته في ضوء المناخ الملائم لحاجاته وتحركاته في داخل الإقليم، على الـرغم من أن المناخ المثالي للاستجمام والترويح لا وجود له في أية منطقة في العالم، كما أشار حماد إلى أن درجـة الحـرارة تعد أهـم عنصر مناخي سياحياً، لما لدرجة الحرارة من تأثير هام في حياة الإنسان ونشـاطه، وبالتالـي فهي عنصر جذب سياحي هام، ومحرك للسياح في محيط دائرة سياحتهم.
وعلى صعيد آخر أكد حماد على أهمية اعتدال نسبة الرطوبة في جذب السياح، مؤكدًا أن نسبة الرطوبة في قطاع غزة هي نسبة عادية، وبالتالي تكون ملائمة بصفة عامة للأنشطة السياحية، ولا تشكل عائقاً أمام الحركة السياحية .
كذلك سطوع الشمس من العناصر المناخية الهامة للجذب السياحي، وخاصة في فصل الشتاء، كما أنها من العناصر التي تؤثـر في التنمية السياحية، حيث تمتاز فلسطين بصفة عامة بشمسها المشرقة، ومناخها المعتدل، وأوضح أن قطاع غزة من الأقاليم التي تسطع بها الشمس لفترات طويلة.
ومن جهة أخرى أكد حماد أن مظاهـر السطح وطبوغرافية قطاع غزة تعد من المقومات الجغرافية الهامة التي من الممكن أن تلعب دوراً هامـاً فـي الجذب السياحي إلى القطاع، خاصة وأن تضاريس القطاع تعتبر جزءاً متقلصاً من السهل الساحلي الفلسـطيني الممـتد مـن أقدام جبال الكرمل الغربية في الشمال حتى شبه جزيرة سيناء في الجنوب الغربي .
ويلـتحم فـي الشـرق بتلال أقدام الجبال الفلسطينية ومرتفعات النقب، وينتهي في الغرب على شاطئ البحر المتوسـط بخـط سـاحلي شبه مستقيم، مقوس نحو البر قليلاً ويرتفع السطح العام للسهل الساحلي وأراضي القطـاع باتجـاه الشرق والمرتفعات الفلسطينية حتى يصل إلى ارتفاع 200 متر، حيث مـن الممكـن اسـتغلال هذا المظهر الطبيعي في إقامة العديد من المناطق السياحية وأماكن الجذب السـياحي مثل المتنزهات والساحات الخضراء، وإقامة مرافق سياحية متعددة الأغراض، مثل صالات ضخمة تخصص للمسابقات وإقامة المهرجانات الدولية والأسواق السياحية.
السياحة الترفيهية
وأوضح حماد أن وزارة التخطيط والتعاون الدولي قامت بإعداد مخطط متكامل لمنطقة الساحل في قطاع غزة، ومن الطبيعي بعد زوال الاحـتلال عـن القطاع أن يتم إحياء هذا المشروع الحيوي الهام، ليكون القاعدة الصلبة التي تقوم عليها تنمية القطاع السياحي ومن الممكن استغلالها في عملية النشاط السياحي داخل القطاع .
وتابع حماد يقول: إن قطاع غزة تتنوع به المقومات الطبيعية التي تعطي مجالاً للتنوع السياحي مثل السياحة الترفيهـية، مثل سياحة الصيد البحري، وسياحة اللهو وقضاء أوقات الفراغ المختلفة، فهو يطل على البحر الأبيض المتوسـط الـذي يمكن استغلاله في ممارسة صيد الأسمال وتشجيع هذه الهواية، وإقامة المهرجانات الدولية الخاصـة بذلك، بالإضافة إلى رياضة التجديف والتزحلق على الماء، كما يمكن للسائحين القيام بنزهة بحرية وذلك من خلال سفن سياحية متخصصة، واستقبال سفن سياحية مماثلة .
وأضاف أنه يمكـن تشـجيع السياح على زيـارة قطاع غزة للاستمتاع بالشمس المشرقة الدافئة، خاصة في ظل عدم وجود العواصـف والرياح العنيفة، فضلاً عن تشجيع السياحة الريفية، في الأجزاء المتبقية من الريف الفلسطيني في القطاع، خاصةً في منطقة المواصي التي تعتبر من أجمل البقاع التي يجد فيها الإنسان متعته، حيث الهواء العلـيل والـثمار والأشـجار المثمرة خاصة الجوافة والنخيل، وشاطئ البحر برماله الصفراء.
وعلى صعيد آخر اعتـبر حماد المقومـات البشـرية من عناصر البنية الأساسية التي يجب أن تتوفر وتعمل بكفاءة حتى يمكن توفير التسهيلات والخدمات المختلفة التي تعمل على الجذب السياحي، مشيرًا إلى أن المقومات والعوامل البشرية المؤثرة في السياحة كظاهرة وصناعة تتعدد لتشمل وقت الفراغ ومستوى الدخل وتركيـب السـكان العمري والاقتصادي والنقل والاستعمار القديم والدافع الديني والعامل التاريخي ورأس المال والدعاية والإعلام السياحي، بالإضافة إلى العوامل الثقافية التي تشتمل على المهرجانات والكرنفالات والمتاحف والمعـارض والأسـواق الدولية وأحوال الشعوب وصناعاتهم اليدوية وأساليب حياتهم.
الأهمية الدينية
ومن جهة أخرى أكد حماد أن قطـاع غـزة يعتبر ذو أهمـية دينية باعتباره جزءاً أصيلاً من الأراضي الفلسطينية الذي يضم العديد من المـزارات الدينـية الإسلامية والمسيحية التي تعتبر قبلة لكثير من الحجاج والسياح، و أضاف: لاشك أن وجود هذه الأماكـن يلعب دوراً مباشراً في تنشيط الحركة السياحية الداخلية والدولية، إذا توفرت الشروط الخاصة بذلك، مثل القيام بحملة إعلامية منظمة تظهر الأهمية الدينية والسياحية لقطاع غزة في الخارج، إضافة إلى الاهتمام بتأهيل هذه المزارات والمواقع الدينية لتكون جاهزة لاستقبال الحجاج والسياح من مختلف الأصقاع.
وأكد حماد أن القطـاع السـياحي يلعب دوراً رئيسـيًا في تشكيل الدخل القومي في فلسطين، فضلاً عن أنه يستوعب في الظـروف العاديـة أعـدادًا كبيرة من الأيدي العاملة، الأمر الذي يساهم في توفير فرص العمل للعاطلين عن العمـل، لا سـيما بعـد الانسـحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وسيطرة السلطة الوطنية على معبر رفح، ورأى أن ذلك يفتح مجـالات جديدة لم تكن موجودة أصلاً قبل هذا النشاط الخدمي الجديد مما يحقق أحد أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية المرجوة.
وبالـرغم من أنه من الصعب تحديد أعداد العاملين في القطاع السياحي في قطاع غزة بشكل دقيق، جراء الـتذبذب فـي أعداد العاملين خلال السنوات الماضية، فضلاً عن دمج إحصاءات العاملين في هذا القطاع مع قطاعـات أخـرى، وكذلـك تداخـل السياحة بالقطاعات الأخرى، مما أدى الى صعوبة تصنيف العاملين في السـياحة بشكل مباشر، والعاملين فيه بشكل جزئي من خلال القطاعات الأخرى، إلا أنه من الأهمية الاهتمام بقطاع العمالة في القطاع السياحي لما لذلك من تأثير مباشر على هذا القطاع.
العاملون في القطاع السياحي
وأفاد حماد أن الإحصاءات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تشير إلى أن نسبة العاملين من قطاع غزة في التجارة والمطاعم والفنادق بلغت 15.6%من إجمالي العاملين في العام 2004 ، كما بلغت نسبة العاملين مـن الذكور في ذات المجال 17.2%من إجمالي الذكور العاملين خلال نفس الفترة، بينما بلغت نسبة الإناث العاملات
5.3 %من إجمالي الإناث العاملات.
وأوضح حماد أنه يلاحـظ تذبـذب أعـداد العاملين في هذا القطاع خلال الفترة من 1995 وحتى العام 2004 ، مشيرًا إلى أنه بلغ عدد العاملين في قطاع التجارة والمطاعم والفنادق 19.6 % في العام 1995، و 17.5 %في العام 2000، و19.4% في العام 2004، حيث بلـغ عدد العاملين في المنشآت السياحية في قطاع غزة 591 عامل في نهاية العام 2000 من إجمالي عدد العامليـن فـي المنشـآت السـياحية فـي الضـفة الغربية وقطاع غزة، والبالغ عددهم 5297 عامل بحسب الإحصاءات الصادرة عن وزارة السياحة والآثار.
وأوضح أن نسبة العاملات في القطاع السياحي في العام 2000 بلغت حوالي 3% من إجمالي العاملين في هذا المجال، وبـناء عليه خلص حماد للقول أن هناك نسبة من العاملين في القطاع السياحي يمكن الاعتماد عليها، خاصة وأنـه لديهـا الـتجربة الجيدة في هذا المجال، والتي يمكن إعادة تأهيلها وتطويرها بشكل يتلائم مع التطلعات السـياحية الجديـدة في القطاع، خاصةً وأنه تتوافر الآن كلية متخصصة في الدراسات السياحية، إضافة إلى أقسـام متخصصة في الكليات والمؤسسات التعليمية في قطاع غزة، مما يساهم بتوفير الأيدي العاملة المدربة والقادرة على النهوض بهذا القطاع الحيوي والهام.
ورأى حماد أنه يمكن أن تساهم الجامعات بصورة جادة في الدفع باتجاه عملية التنمية السياحية، وذلك باعتبار أن نجاح عملية التنمـية السياحية لا يتوقع أن يتم بمعزل عن النظام التعليمي في المجتمع، مؤكدًا أن الجامعات ومؤسسات التعليم العالي على اختلافها تعتبر من أهم عناصر هذا النظام.
الآثار التاريخية
وحول الآثار التاريخية وأهميتها في تنشيط العملية السياحية ومدى توفر هذه الآثار في قطاع غزة أكد حماد أن قطـاع غزة يعتبر من المناطق الغنية بالآثار التاريخية المختلفة، إلا أن الكثير منها اندثر أو دمر أو نهب خـلال العقود الماضية، ورغم ذلك أوضح حماد أنه مازالت محافظات القطاع تزخر بمعالمها الإسلامية والمسيحية، ومبانيها التاريخية، التي تعود الى فترات تاريخية متفاوتة .
وأضاف: لاشـك أن المعـالم الأثرية والمخلفات الحضارية تشكل قوة جذب للسياح الأجانب، يضاف الى ذلك، الطابع الشـرقي الأصـيل الذي خلفه شعب فلسطين العربي على أرضه عبر قرون طويلة ومتواصلة، وإلى الميزات والصـفات الشـرقية التي يمتاز بها العربي من كرم وحسن ضيافة، فضلاً عن العـادات والتقالـيد والأنماط السلوكية المختلفة التي تعتبر من عوامل الجذب السياحي، ويمكن استخدامها في التنمية السياحية في قطاع غزة .
وأوضح حماد أن محافظة شمال غزة تضم العديد من المعالم الحضارية وأماكن الجذب السياحي، حيث يعتبر وادي بيت حانون وتل النصر من المعالم الطبوغرافية المميزة في بيت حانون شمال القطاع، وقد كان للاثنين دور عسكري مهم أثناء الحروب الصليبية، هذا الى جانب جامع النصر الذي يذكر أنه بني سنة 637هجري( 1239م ) على يد الأمير شـمس الديـن سـنقر، بمناسبة انتصار المسلمين تحت قيادة هذا الأمير على الصليبيين بقيادة الكونت هنري دوبـار، وبالقرب من الموقع هناك مقبرة لشهداء المسلمين الذين سقطوا في هذه المعركة، وأضاف حماد أن بيت حانون تتميز بزراعة أشجار الحمضيات والزيتون والعنب والتفاح وغيرها، أما بيت لاهيا التي تبعد حوالي 7 كم شمالي غربي غزة، وتحيط بها الكثبان الرملية من جميع جهاتها، فقد كشف المنقـبون علـى تل الذهب التابع لبيت لاهيا على كميات من الفخار والزجاج، بالإضافة إلى عملات معدنية كثيرة مما يشير إلى مستوطنة بيزنطية كبيرة على التل، وتتميز بيت لاهيا بزراعة الأشجار المثمرة خاصة " التفاح اللهواني" كمـا اشتهرت خلال السنوات القليلة الماضية بزراعة التوت الأرضي والزهور التي تجد طريقها الى الأسواق الأوربية.
مقبرة رومانية
أمـا بلدة جباليا قال حماد فهي تتميز بزراعة الحمضيات والزيتون والعنب، فقد كشفت دائرة الآثار الفلسطينية في غزة عن آثار مقبرة رومانية بيزنطية على الجهة الغربية من تل جباليا الواقع شمالي شارع بيت حانون – غزة الرئيسـي، وتحتوي المقبرة على نظامين للدفن يعود تاريخهما الى الفترات الرومانية والبيزنطية، مشيرًا إلى أن النظام الأول يضم مجموعـة من القبور محفورة في الصخر الكركار، ويضم الثاني قبوراً سطحية منفردة في نفس النوع مـن الـتربة، وهي تأخذ اتجاه شرق غرب، ومغطاة ببلاط من الحجر الرملي، وقد اكتشف في المقبرة أيضاً الكثـير مـن القطـع الفخارية ومصابيح الزيت الرومانية والبيزنطية، بالإضافة إلى قنان من الزجاج، وأساور
وأقـراط ذهبـية وبعض القطع النقدية الذهبية التي يعود تاريخها الى القرن السادس الميلادي، وأوضح حماد أنه على بعد مائة متر من المقبرة اكتشفت أرضية فسيفسائية على يد نفس الدائرة في العام 1997م، ويبدو أن الأرضية جزء من بناء بيزنطي يضم كنيسة بها ممرات وغرف للاستعمال الديني أو الدنيوي.
وأشار حماد إلى الجامع العمري الكبير الذي يعتبر من الجوامع العظمى في فلسطين، وهو ضخم البناء والقيمة الأثرية، وجميل الشكل والهندسة، وبجانبه مكتبة عامرة منذ القدم والى الآن، ويقع في قلب البلدة القديمة في حي الدرج.
ويعتـبر الجامع الكبير الذي لا يعرف على وجه الدقة متى أنشئ، وجامع الشيخ برجس ومقام الشيخ/ محمد المشيش المغربي من أهم المعالم الدينية في جباليا.
محافظة غزة
تقع مدينة غزة على ملتقى طرق تجارية هامة منذ التاريخ القديم، وكانت القوافل تحمل إليها بضائعها المختلفة، وقد مر عدد كبير من العرب في مدينة غزة وعرفوها، ففيها قبر هاشم جد النبي عليه السلام، كما عرفت غزة عـبد الله والد النبي، وأبو سفيان وعمرو بن العاص وعمر بن الخطاب الذي كان أثرى من الاتجار فيها، وفـي عهد المماليك أصبحت غزة من أهم مراكز البريد الذي كان معاوية أول من أدخله في تنظيم دولته وعممه عبد الملك، وقد اهتم السلطان بيبرس بأمر البريد ونظمـه، وكانت طريق الشام عامرة ففي كل مركز بريد ما يحتاج إليه المسافر من زاد له وعلف لدابته.
وفي حديثه حول المعالم الحضارية والأثرية في مدينة غزة أوضح حماد أنه من أهم هذه المعالم هو جامع الخليفة عمر بن الخطاب الذي يعتبر أقدم جامع في المدينة، وبجواره قيصـرية غـزة أو سـوق الذهب، وهو عبارة عن شارع مسقوف بعقد أسطواني يبلغ طوله 50 متراً، وعرضه أقل من 3 أمتار وهو واحد من أقدم وأهم الأسواق في المدينة. كما أشار إلى حمام السمرة وهو الحمام الوحيد الذي مازال مستخدماً في مدينة غزة حتى اليوم، علماً بأن المدينة كانت تحـتوي علـى ستة حمامات مملوكية وتركية، ويعود تاريخ الحمام الى الفترة الرومانية بحسب ما هو منقوش على حجر التأسيس فوق الباب الرئيسي.
وفي حديثه حول المقدسات المسيحية الموجودة في غزة أشار حماد إلى كنيسـة القديـس بورفـيريوس التي تقع في شارع رأس التلة في حي الزيتون، وقد بنيت إبان عه الإمبراطور اركـاديوس عام 420 -395 م) مـن قـبل مطران غزة في ذلك الحين القديس بورفيريوس، وهي محاطة من الجهـات الشـرقية الشـمالية والغربية بمقبرة بيزنطية مازالت مستخدمة حتى الآن من قبل الأقلية المسيحية الصـغيرة الموجـودة في غزة، وأشار إلى أن كنيسة القديس بورفيريوس تحتفظ بقبر أسقف غزة.
كما أشار حماد إلى قصـر الباشا وهو واحد من المواقع التاريخية المهمة وواحد من أجمل المباني في حي الدرج فـي المدينة، ولا يوجد في البناء أية نقوش تدل على تأسيسه، ويقال أن السلطان المملوكي المعروف الظاهر بيـبرس هـو أول من شيد هذا القصر الذي تمثل عمارته وزخرفته نموذجاً للعمـارة والفن الإسلامي في الفترة المملوكية، وقد استخدم القصر كمقر للوالي التركي خلال الفترة العثمانية، ويعـتقد الـبعض أن نابليون استخدم المكان مركزًا لقيادة حملته على عكا سنة 1799 م، وخلال الانتداب كان القصر مركزًا للشرطة، أما الآن فقد تحول الى متحف آثري.
مسجد السيد هاشم
وأشار حماد إلى مسـجد السيد هاشم الذي يعد من أبرز الأماكن الأثرية في غزة، مشيرًا إلى أنه سمي بهذا الاسم نسبة إلى هاشم جد النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ويعد واحداً من أروع المبانـي التاريخـية فـي مديـنة غـزة، وهو مبني من حجارة قديمة تعود لمبان سابقة جرى هدمها، وخصوصـاً مسـجد الجاولي في حي الزيتون، والبلاخية التي أحضروا منها خمسة أعمدة استعملوها في بناء المسجد، والراجح أن المماليك هم أول من أنشأه، وقد جدده السلطان عبد المجيد العثماني سنة 1850 م، وأوضح أن غـزة تضم كذلـك عشرات المساجد الأثرية المختلفة مثل زاويـة الشـيخ أحمد البدوي، وجامع المحكمة، وجامع ابن عثمان، وسبيل السلطان عبد الحميد الثاني، وقبر شمشـون الجـبار أو مقـام الشـيخ أبـو العزم، وميناء غزة البحري القديم، إضافة إلى الأرضية الفسيفسائية البيزنطية على شاطئ غزة، وتل المنطار الذي يقع على قمته جامع المنطار، وتل العجول ووادي غـزة حيث يعود تاريخ الاستيطان البشري في الوادي الى الألف الرابعة قبل الميلاد، ناهـيك عـن الكثير من المباني التاريخية القديمة.
وفي السياق نفسه استعرض حماد المواقع الأثرية الموجودة في خانيونس والتي تعتبر من أهم المواقع السياحية، مشيرًا إلى أن محافظة خـان يونس هي ثاني أكبر مدينة في قطاع غزة، وقد نشأت المدينة حول الخان المملوكي المعروف بهذا الاسـم وهو الخان الذي شيده الأمير يونس بن عبد الله النوروزي الدودار السكرتير التنفيذي للسلطان الظاهر برقوق عام 789 هجري- 1387 ميلادي، ويطلق عليه السكان المحليون اسم القلعة، وكان الغرض من بناء هذه القلعة حماية الـتجار، وتأمين سلامة الطرق البرية التي تربط بين مصر وبلاد الشام، هذا ولا تزال بعض مباني هذه القلعة باقية حتى اليوم وسط المدينة، ويوجد في هذه القلعة مسجد قديم هدمت مئذنته، وأوضح حماد أن مـن المواقـع التاريخية المهمة المكتشفة حديثًا أرضية فسيفسائية في عبسان الكبيرة التي يعود تاريخها إلى بدايـة القـرن السـابع الميلادي، وقبر بيزنطي مبني من الحجر الرملي، وكذلك مقام خليل الرحمن على بعد حوالي 6 كم الى الشمال من الأرضية الفسيفسائية البيزنطية، حيث تقول الروايات أن إبراهيم الخليل توقف في هذه البقعة خلال رحلته بين مصر والخليل عبر بئر السبع.
كما أشار حماد إلى المواقع الأثرية في مدينة رفح التي تقـع على بعد 38 كم جنوبي مدينة غزة والمدينة مشهورة بكونها المدينة التي جرت فيها الاحتفالات بعرس كليوباترا، وفيها يمكن رؤية بقايا معابد للآلهة الرومانية، أرتيمس، وأبولون، مشيرًا إلى أن تل الخرائب الكائن على شاطئ البحر في رفح يحتوي على آثار قديمة تعـود إلى العهد الروماني، كما عثر في تل رفح على كثير من الآثار الرومانية القديمة مثل التوابيت الحجرية والأواني الفخارية والعملات المعدنية.
يعتبر القطاع السياحي من أهم القطاعات الاقتصادية والموارد الهامة التي تعتمد عليها الكثير من الدول في توفير احتياجاتها وسد نفقاتها، حيث يشكل القطاع السياحي رافعة قوية من شأنها أن تساهم في تحقيق دخل متميز لا سيما في البلدان ذات المناطق الجذابة والخلابة أو تلك الدول التي تحظى بتاريخ عريق وبها موروثات وحضارات دينية، ومما لا شك فيه أن فلسطين من البلدان الهامة التي تحظى بتوافد السياح عليها خاصة في بيت لحم والقدس وغزة لما لها من تاريخ عريق، وما تمثله القدس وبيت لحم من أماكن مقدسة يتوافد إليها المصلون من مختلف أنحاء العالم، لكن السياحة في فلسطين تعرضت إلى هجمة شرسة من قبل الاحتلال البغيض خلال الانتفاضة تسببت في تكبد هذا القطاع الهام خسائر جسيمة، هذا فضلاً عن ما خلفه الاحتلال من تركة ثقيلة من السلبيات وحالة من فقدان الأمن وانتشار السلاح وما أصبح يعرف اليوم بالفلتان الأمني، حيث انعكس ذلك سلبًُا على كافة القطاعات وبما فيها قطاع السياحة.
"الزاوية الاقتصادية" تفتح ملف السياحة وتلقى الضوء على واقع هذا القطاع في غزة وتستطلع أراء أصحاب الفنادق والمطاعم السياحية حول همومهم وما آلت إليه أوضاعهم في ظل الظروف الراهنة، وانعكاسات العدوان الإسرائيلي على هذا القطاع الهام.
فنادق ومطاعم سياحية
ينتشر في مدينة غزة وبالتحديد على شاطئ البحر العديد من الفنادق السياحية والمطاعم والكازينوهات التي من أبرز روادها أصحاب النفوذ والأملاك والتجار والوفود السياحية من مختلف دول العالم، بالإضافة إلى كبار الزوار والوفود الرسمية التي تأتي إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، ورغم أن هذه الفنادق بها خدمات متميزة وتعتبر من أرقى الفنادق على مستوى فلسطين، إلا أنها باتت تشكو من تراجع نسبة روادها، بحيث بات يقتصر ذلك على الوفود الرسمية وإقامة ورشات العمل والندوات والمؤتمرات، خاصة في ظل تردي الوضع الأمني وتراجع سيادة القانون وحالة الفلتان التي نعيشها، هذا فضلاً عن تراجع الوضع الاقتصادي برمته، ويعزوا العديد من أصحاب هذه الفنادق أسباب تراجع الموسم السياحي إلى القيود الصارمة التي تفرضها سلطات الاحتلال على الدخول
إلى قطاع غزة والإغلاق للمعابر والحدود بين الحين والآخر مما لا يشجع السياح على القدوم إلى القطاع، باستثناء من له عمل معين أو في مهمة رسمية، ويرى أصحاب الفنادق أن الأوضاع المعيشية بكافة جوانبها ألقت بظلالها على القطاع السياحي وعلى كافة القطاعات، حيث أدى انعدام الأمن إلى هروب المستثمرين الذين يستطيعون إقامة المشاريع الحيوية، وهذا انعكس سلبًا على القطاع السياحي، خاصة وأن هؤلاء المستثمرين والوفود هم من أبرز نزلاء هذه الفنادق، مؤكدين أن الحركة السياحية تراجعت، ولم يعد هناك الوفود السياحية التي كانت تأتي إلى القطاع سواءً من داخل فلسطين المحتلة عام 1948 أو من مختلف دول العالم، مؤكدين أن الوضع الأمني هو السبب الرئيسي في تراجع السياحة.
ولا يختلف حال أصحاب المطاعم والكازينوهات عن حال أصحاب الفنادق، فهم جميعًا يعانون من تدني مستوى الدخل نتيجة انخفاض عدد رواد هذه المطاعم، وخاصة المطاعم السياحية الفخمة، مشيرين إلى أن الوضع الاقتصادي السيئ لعب دورًا أساسيًا في تراجع نسبة المترددين على هذه المطاعم.
ويمكن للمواطن العادي ملاحظة الأوضاع الصعبة التي آلت إليها السياحة في قطاع غزة من خلال انخفاض عدد السياح، خاصة في الأماكن الأثرية التي تكثر في غزة.
تدني رحلات الشباب
هذا وللوقوف على أهمية السياحة من الناحية الاقتصادية، ومدى اعتماد الدول على هذه الصناعة، بالإضافة إلى واقع السياحة في فلسطين التقت "الزاوية الاقتصادية" الدكتور عبد القادر حماد المختص في الجغرافيا السياحية، وله دراسات عديدة في الجغرافية السياحية والسياحة في فلسطين، حيث أكد أن الإحصائيات تظهر تدني رحلات الشباب في الأراضي الفلسطينية للغاية، ويـرى أن هذا التدني بالرغم من وجود وقت فراغ كافي يرجع إلى الأوضاع السياسية والأمنية السـيئة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وتدهور الأوضاع الاقتصادية جراء الحصار الإسرائيلي المشدد على الأراضـي الفلسطينية، فضلاً عن قيام سلطات الاحتلال بتقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية، وإقامة الحواجز العسكرية وفرض الحصار الخارجي والداخلي عليها، مما يعيق تنقل الفلسطينيين.
وأضاف حماد لعـل الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وسيطرة السلطة الوطنية على معبر رفح يشجع على الحركة والقيام برحلات خارجية وداخلية، مما يعزز من النشاط السياحي في القطاع، خاصةً وأن نسبة كبيرة من أبناء الشعب الفلسطيني حرموا طيلة العقود الماضية من السفر والتنقل .
وأوضح أن السياحة تمثل اليوم ظاهرة اقتصادية آخذة في النمو السريع، وأنه بفضل ارتباطها بالحركة أصبحت ذات علاقة بالبيئة سلباً وإيجابًا، ورأى أنه نتيجة للزيادة المستمرة في وقت الفراغ مقابل أوقات العمل، فقد أصـبح واجب على المهتمين بالتخطيط والسياسيين أن يوجهوا طاقات أفراد مجتمعاتهم في أوقات الفراغ بما يفيد المجتمع والأفراد.
وأكد حماد أن فلسطين تعتبر من البلدان النامية ذات التاريخ السياحي العريق، فصناعة السياحة فيها مغرقة في القدم، حتى يمكن القول أنها المنطقة السياحية الأولى في التاريخ التي جذبت السياح والحجاج والزائرين منذ أقدم العصور حتى يومنا الحالي، مشيرًا إلى أن فلسطين بمـا فـي ذلك قطاع غزة تتميز بأهميتها السياحية نظراً لموقعها الجغرافي المتمـيز، ومكانـتها الروحية المقدسة لدى جميع الطوائف الدينية، وذلك رغم التقلبات السياسية الخطيرة التي تعرضت لها خلال العقود الماضية، وما تمخض عنها من اعتداءات بشرية استعمارية.
صناعة المستقبل
وأوضح الدكتور حماد أن السنوات الماضية سجلت زيادة ملحوظة في الاهتمام بالسياحة في مختلف مناطق العالم، حتى أصبحت هذه الصناعة من أهم الموارد الاقتصادية في كثير من دول العالم، لا سيما النامية منها، حيث تدخل هذه الموارد فـي قائمـة الصـادرات غـير المـنظورة، مشيرًا إلى أنها تعمل على نمو الدخل القومي، والتخفيض من عجز ميزان المدفوعـات، وذلـك عـن طريق دخول العملات والاستثمارات الأجنبية، كما تعمل على إيجاد فرص عمل جديدة، وارتفاع مستوى معيشة الأفراد، هذا بالإضافة إلى الآثار الاجتماعية والثقافية التي يتبادلها السياح في تـنقلاتهم مـع شـعوب البلدان السياحية، مؤكدًا أن السياحة تلعب دوراًً كبيرًا في انتقال وتـبادل ثقافـات الشـعوب، والتأثير والتأثر بالمدنيات العريقة، حيث تؤدي إلى اكتساب الفرد السائح ثقافات مختلفة تزداد بازدياد ترحاله من بلد لآخر، وتفتح مداركه وتزيد معلوماته.
وأوضح حماد أنه نتـيجة لـتعدد وتـنوع وتعقد الحياة والتزاماتها ومشكلاتها أخذت السياحة اهتمامًا عالمياً بسبب كثرة الدول والأفراد المشاركين فيها، ورؤوس الأموال التي تنفق عليها، والآثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية المترتبة علـيها، ولهـذا نجـد الدول تتسابق في الاهتمام بالسياحة أملاً في مردودها الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك تـنافس العلـوم في دراستها، لذلك أنشئت لها التخصصات، حيث تعتـبر السياحة من الأنشطة البشرية التي حققت نمواًً كبيرًا خلال العقود القليلة الماضية على مستوى العالم، لكنه أشار إلى أن نسبة النمو تتفاوت بين دولة وأخرى، وأن معظم دول العالم سعت على كافة مراحل نموها إلى الاهـتمام بالنشاط السياحي في اقتصادياتها، حيث صارت السياحة مقبولة لدى كافة دول العالم، مؤكدًا أنه اعتبارًا من أوائـل السـتينات مـن القرن العشرين لم تعد السياحة ترفاً، بل تنامت ونشطت، حتى أصبحت الآن صناعة المستقبل.
إحصائيات وأرقام
وأوضح حماد أن الإحصائيات تشير إلى التطور الكبير في عدد السياح وحجم الإنفاق لحركة السياحة الدولية اعتبارًا من بداية النصـف الثاني للقرن العشرين، حيث ارتفع عدد السياح من 20مليون سائح في العام 1950 إلى 70 مليون سـائح في العام 1960، إلى 165 مليون سائح في العام 1970 ، بينما بلغ عدد السياح 286 مليون سائح في العام 1980، لـيرتفع في العام 1985 إلى 465 مليون سائح، وفي العام 1995 إلى 561 مليون سائح، و 657 مليون سائح فـي العام 1999 ، بينما ارتفع الإنفاق خلال نفس الفترة من 2.1 مليار دولار في العام 1950 ، و 608 مليار دولار فـي العـام 1960، و18 مليار دولار في العام 1970، و 105 مليار دولار في العام 1980، و 265ملـيار دولار فـي العام 1985، و380 مليار دولار في العام 1995، و 455 مليار دولار في العام 1999.
وأكد حماد أن اقتصاديات العديد من الدول المتقدمة والنامية تعتمد على السياحة كأحد القطاعات الاقتصادية الهامة، وتسعى إلى دعمها وتنميتها وتطويرها، مشيرًا إلى أن فلسطين تعتبر من البلدان النامية ذات التاريخ السياحي العريق، فصناعة السياحة فيها مغرقة في القدم، حتى يمكن القول أنها المنطقة السياحية الأولى في التاريخ التي جذبت السياح والحجاج والزائرين منذ أقدم العصور حـتى يومـنا الحالـي، وجدد حماد التأكيد أن فلسطين بما في ذلك قطاع غزة تتميز بأهميتها السياحية، نظراً لموقعهـا الجغرافـي المتمـيز، ومكانـتها الروحية المقدسة لدى جميع الطوائف الدينية، وذلك رغم التقلبات السياسية الخطيرة التي تعرضت لها خلال العقود الماضية، وما تمخض عنها من اعتداءات بشرية استعمارية كـان هدفهـا السـيطرة على هذه البقعة من العالم، بهدف التحكم في عقدة المواصلات، وجسور الاتصالات.
وأضاف حماد أن الاهتمام بهـذه الصناعة يزداد ونحن نضع اللبنات الأولى للدولة الفلسطينية المستقلة، خاصة بعد زوال الاحـتلال الإسـرائيلي عن جزء من الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة، ومن هنا تبرز أهمية مشاركة الجغرافـي فـي التخطيط لهذه الصناعة لكي تكون قائمة على أسس متينة، إذ أنه يمكن القول أن جميع فروع السـياحة ترتبط من قريب أو بعيد بالجغرافيا، ولا تخلو من وجود بعد جغرافي مؤثر بصورة أو بأخرى، لذا فإنه لا غنى عن الدراسات الجغرافية عند التخطيط للتنمية السياحية.
المقومات السياحية في القطاع
وفي معرض إجابته على سؤال حول المواقع الجغرافية السياحية في قطاع غزة أكد الدكتور حماد أنه تتضـافر فـي القطـاع العديد من العوامل الجغرافية الطبيعية والبشرية التي تؤثر على صناعة السياحة، وبالتالـي تحـدد مدى ازدهارها وتطورها، فالموقع الجغرافي، والمناخ المعتدل، وغير ذلك من العوامل يجعل مـنها محـل اهـتمام سياحي دولي، إذا ما تم إبراز الأهمية السياحية لها، وتطوير المواقع السياحية المختلفة، وإعطاء اهتمام أكثر للتسهيلات السياحية المختلفة، بحيث تتوفر جميع المقومات الكافية لتكامل الجذب السياحي فيها .
وأوضح حماد أن موقـع قطاع غزة يتـيح فرصة للجذب السياحي، إذا توفر الاستقرار السياسي والأمن الاقتصـادي، حيـث يمر بها السائحون القادمون عبر القاهرة باتجاه الضفة الغربية بما في ذلك، القدس الشـريف وباقـي أنحاء الأراضي المقدسة، مما يعطي لها فرصة أن يقضي بها السياح والحجاج بعض الوقت لزيارة معالمها السياحية التي تختلف عن المعالم الأخرى في القدس والضفة الغربية، ومـن هـنا قال حماد تأتـي أهمية بسط السيادة الوطنية على معبر رفح باعتباره المعبر الدولي الوحيد على العالم الخارجي، مع التأكيد على ضرورة رفض أية شروط أو املاءات إسرائيلية بخصوص القادمين عبر هذا المعبر، مع ضمان حرية الحركة على جميع المعابر الأخرى خاصة معبر بيت حانون شمال قطاع غزة.
وتطرق حماد إلى أهمية المناخ في تشجيع السياحة قائلاً: ليس بمقدور أحد نكران أهمية المناخ في حياة الإنسان، وممارسة أنشطته الحياتية المختلفة، مؤكدًا أن السياحة أحد تلـك الأنشـطة التي يلعب المناخ فيها دوراً هاماً، خاصة في المناطق التي لا يتوفر فيها المناخ السياحي الملائـم والمريح الذي يشكل مطلباً جوهرياً للإنسان ليزيل عن كاهله تعب الأيام الطوال من السنة ليجدد نشـاطه وحيويته بالانتقال إلى أماكن يتوفر فيها ما يفتقد إليه في مكان لإقامته الأساسي، مؤكدًا أن المـناخ بعناصره المختلفة المتمثلة في درجة الحرارة، الرطوبة النسبية، المطر، والرياح يؤثر بصورة مباشرة على جسم الإنسان وحياته الاجتماعية والروحية، ولهذا نجد أن المناخ الذي يتقبله الإنسان ويعمـل فيه هو المناخ الدافئ والمشمس ذو الرياح المعتدلة، لا سيما وأن جسم الإنسان وحالته النفسية تتأثران بالمناخ الذي يحيط به .
الجذب السياحي
وأكد حماد أن المناخ المعتدل يعتبر عاملاً هاماً في الجذب السياحي سواء بالنسبة للسياحة الخارجية الدولية أو السياحة الداخلـية، فالسائح يحدد مناطق زيارته في ضوء المناخ الملائم لحاجاته وتحركاته في داخل الإقليم، على الـرغم من أن المناخ المثالي للاستجمام والترويح لا وجود له في أية منطقة في العالم، كما أشار حماد إلى أن درجـة الحـرارة تعد أهـم عنصر مناخي سياحياً، لما لدرجة الحرارة من تأثير هام في حياة الإنسان ونشـاطه، وبالتالـي فهي عنصر جذب سياحي هام، ومحرك للسياح في محيط دائرة سياحتهم.
وعلى صعيد آخر أكد حماد على أهمية اعتدال نسبة الرطوبة في جذب السياح، مؤكدًا أن نسبة الرطوبة في قطاع غزة هي نسبة عادية، وبالتالي تكون ملائمة بصفة عامة للأنشطة السياحية، ولا تشكل عائقاً أمام الحركة السياحية .
كذلك سطوع الشمس من العناصر المناخية الهامة للجذب السياحي، وخاصة في فصل الشتاء، كما أنها من العناصر التي تؤثـر في التنمية السياحية، حيث تمتاز فلسطين بصفة عامة بشمسها المشرقة، ومناخها المعتدل، وأوضح أن قطاع غزة من الأقاليم التي تسطع بها الشمس لفترات طويلة.
ومن جهة أخرى أكد حماد أن مظاهـر السطح وطبوغرافية قطاع غزة تعد من المقومات الجغرافية الهامة التي من الممكن أن تلعب دوراً هامـاً فـي الجذب السياحي إلى القطاع، خاصة وأن تضاريس القطاع تعتبر جزءاً متقلصاً من السهل الساحلي الفلسـطيني الممـتد مـن أقدام جبال الكرمل الغربية في الشمال حتى شبه جزيرة سيناء في الجنوب الغربي .
ويلـتحم فـي الشـرق بتلال أقدام الجبال الفلسطينية ومرتفعات النقب، وينتهي في الغرب على شاطئ البحر المتوسـط بخـط سـاحلي شبه مستقيم، مقوس نحو البر قليلاً ويرتفع السطح العام للسهل الساحلي وأراضي القطـاع باتجـاه الشرق والمرتفعات الفلسطينية حتى يصل إلى ارتفاع 200 متر، حيث مـن الممكـن اسـتغلال هذا المظهر الطبيعي في إقامة العديد من المناطق السياحية وأماكن الجذب السـياحي مثل المتنزهات والساحات الخضراء، وإقامة مرافق سياحية متعددة الأغراض، مثل صالات ضخمة تخصص للمسابقات وإقامة المهرجانات الدولية والأسواق السياحية.
السياحة الترفيهية
وأوضح حماد أن وزارة التخطيط والتعاون الدولي قامت بإعداد مخطط متكامل لمنطقة الساحل في قطاع غزة، ومن الطبيعي بعد زوال الاحـتلال عـن القطاع أن يتم إحياء هذا المشروع الحيوي الهام، ليكون القاعدة الصلبة التي تقوم عليها تنمية القطاع السياحي ومن الممكن استغلالها في عملية النشاط السياحي داخل القطاع .
وتابع حماد يقول: إن قطاع غزة تتنوع به المقومات الطبيعية التي تعطي مجالاً للتنوع السياحي مثل السياحة الترفيهـية، مثل سياحة الصيد البحري، وسياحة اللهو وقضاء أوقات الفراغ المختلفة، فهو يطل على البحر الأبيض المتوسـط الـذي يمكن استغلاله في ممارسة صيد الأسمال وتشجيع هذه الهواية، وإقامة المهرجانات الدولية الخاصـة بذلك، بالإضافة إلى رياضة التجديف والتزحلق على الماء، كما يمكن للسائحين القيام بنزهة بحرية وذلك من خلال سفن سياحية متخصصة، واستقبال سفن سياحية مماثلة .
وأضاف أنه يمكـن تشـجيع السياح على زيـارة قطاع غزة للاستمتاع بالشمس المشرقة الدافئة، خاصة في ظل عدم وجود العواصـف والرياح العنيفة، فضلاً عن تشجيع السياحة الريفية، في الأجزاء المتبقية من الريف الفلسطيني في القطاع، خاصةً في منطقة المواصي التي تعتبر من أجمل البقاع التي يجد فيها الإنسان متعته، حيث الهواء العلـيل والـثمار والأشـجار المثمرة خاصة الجوافة والنخيل، وشاطئ البحر برماله الصفراء.
وعلى صعيد آخر اعتـبر حماد المقومـات البشـرية من عناصر البنية الأساسية التي يجب أن تتوفر وتعمل بكفاءة حتى يمكن توفير التسهيلات والخدمات المختلفة التي تعمل على الجذب السياحي، مشيرًا إلى أن المقومات والعوامل البشرية المؤثرة في السياحة كظاهرة وصناعة تتعدد لتشمل وقت الفراغ ومستوى الدخل وتركيـب السـكان العمري والاقتصادي والنقل والاستعمار القديم والدافع الديني والعامل التاريخي ورأس المال والدعاية والإعلام السياحي، بالإضافة إلى العوامل الثقافية التي تشتمل على المهرجانات والكرنفالات والمتاحف والمعـارض والأسـواق الدولية وأحوال الشعوب وصناعاتهم اليدوية وأساليب حياتهم.
الأهمية الدينية
ومن جهة أخرى أكد حماد أن قطـاع غـزة يعتبر ذو أهمـية دينية باعتباره جزءاً أصيلاً من الأراضي الفلسطينية الذي يضم العديد من المـزارات الدينـية الإسلامية والمسيحية التي تعتبر قبلة لكثير من الحجاج والسياح، و أضاف: لاشك أن وجود هذه الأماكـن يلعب دوراً مباشراً في تنشيط الحركة السياحية الداخلية والدولية، إذا توفرت الشروط الخاصة بذلك، مثل القيام بحملة إعلامية منظمة تظهر الأهمية الدينية والسياحية لقطاع غزة في الخارج، إضافة إلى الاهتمام بتأهيل هذه المزارات والمواقع الدينية لتكون جاهزة لاستقبال الحجاج والسياح من مختلف الأصقاع.
وأكد حماد أن القطـاع السـياحي يلعب دوراً رئيسـيًا في تشكيل الدخل القومي في فلسطين، فضلاً عن أنه يستوعب في الظـروف العاديـة أعـدادًا كبيرة من الأيدي العاملة، الأمر الذي يساهم في توفير فرص العمل للعاطلين عن العمـل، لا سـيما بعـد الانسـحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وسيطرة السلطة الوطنية على معبر رفح، ورأى أن ذلك يفتح مجـالات جديدة لم تكن موجودة أصلاً قبل هذا النشاط الخدمي الجديد مما يحقق أحد أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية المرجوة.
وبالـرغم من أنه من الصعب تحديد أعداد العاملين في القطاع السياحي في قطاع غزة بشكل دقيق، جراء الـتذبذب فـي أعداد العاملين خلال السنوات الماضية، فضلاً عن دمج إحصاءات العاملين في هذا القطاع مع قطاعـات أخـرى، وكذلـك تداخـل السياحة بالقطاعات الأخرى، مما أدى الى صعوبة تصنيف العاملين في السـياحة بشكل مباشر، والعاملين فيه بشكل جزئي من خلال القطاعات الأخرى، إلا أنه من الأهمية الاهتمام بقطاع العمالة في القطاع السياحي لما لذلك من تأثير مباشر على هذا القطاع.
العاملون في القطاع السياحي
وأفاد حماد أن الإحصاءات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تشير إلى أن نسبة العاملين من قطاع غزة في التجارة والمطاعم والفنادق بلغت 15.6%من إجمالي العاملين في العام 2004 ، كما بلغت نسبة العاملين مـن الذكور في ذات المجال 17.2%من إجمالي الذكور العاملين خلال نفس الفترة، بينما بلغت نسبة الإناث العاملات
5.3 %من إجمالي الإناث العاملات.
وأوضح حماد أنه يلاحـظ تذبـذب أعـداد العاملين في هذا القطاع خلال الفترة من 1995 وحتى العام 2004 ، مشيرًا إلى أنه بلغ عدد العاملين في قطاع التجارة والمطاعم والفنادق 19.6 % في العام 1995، و 17.5 %في العام 2000، و19.4% في العام 2004، حيث بلـغ عدد العاملين في المنشآت السياحية في قطاع غزة 591 عامل في نهاية العام 2000 من إجمالي عدد العامليـن فـي المنشـآت السـياحية فـي الضـفة الغربية وقطاع غزة، والبالغ عددهم 5297 عامل بحسب الإحصاءات الصادرة عن وزارة السياحة والآثار.
وأوضح أن نسبة العاملات في القطاع السياحي في العام 2000 بلغت حوالي 3% من إجمالي العاملين في هذا المجال، وبـناء عليه خلص حماد للقول أن هناك نسبة من العاملين في القطاع السياحي يمكن الاعتماد عليها، خاصة وأنـه لديهـا الـتجربة الجيدة في هذا المجال، والتي يمكن إعادة تأهيلها وتطويرها بشكل يتلائم مع التطلعات السـياحية الجديـدة في القطاع، خاصةً وأنه تتوافر الآن كلية متخصصة في الدراسات السياحية، إضافة إلى أقسـام متخصصة في الكليات والمؤسسات التعليمية في قطاع غزة، مما يساهم بتوفير الأيدي العاملة المدربة والقادرة على النهوض بهذا القطاع الحيوي والهام.
ورأى حماد أنه يمكن أن تساهم الجامعات بصورة جادة في الدفع باتجاه عملية التنمية السياحية، وذلك باعتبار أن نجاح عملية التنمـية السياحية لا يتوقع أن يتم بمعزل عن النظام التعليمي في المجتمع، مؤكدًا أن الجامعات ومؤسسات التعليم العالي على اختلافها تعتبر من أهم عناصر هذا النظام.
الآثار التاريخية
وحول الآثار التاريخية وأهميتها في تنشيط العملية السياحية ومدى توفر هذه الآثار في قطاع غزة أكد حماد أن قطـاع غزة يعتبر من المناطق الغنية بالآثار التاريخية المختلفة، إلا أن الكثير منها اندثر أو دمر أو نهب خـلال العقود الماضية، ورغم ذلك أوضح حماد أنه مازالت محافظات القطاع تزخر بمعالمها الإسلامية والمسيحية، ومبانيها التاريخية، التي تعود الى فترات تاريخية متفاوتة .
وأضاف: لاشـك أن المعـالم الأثرية والمخلفات الحضارية تشكل قوة جذب للسياح الأجانب، يضاف الى ذلك، الطابع الشـرقي الأصـيل الذي خلفه شعب فلسطين العربي على أرضه عبر قرون طويلة ومتواصلة، وإلى الميزات والصـفات الشـرقية التي يمتاز بها العربي من كرم وحسن ضيافة، فضلاً عن العـادات والتقالـيد والأنماط السلوكية المختلفة التي تعتبر من عوامل الجذب السياحي، ويمكن استخدامها في التنمية السياحية في قطاع غزة .
وأوضح حماد أن محافظة شمال غزة تضم العديد من المعالم الحضارية وأماكن الجذب السياحي، حيث يعتبر وادي بيت حانون وتل النصر من المعالم الطبوغرافية المميزة في بيت حانون شمال القطاع، وقد كان للاثنين دور عسكري مهم أثناء الحروب الصليبية، هذا الى جانب جامع النصر الذي يذكر أنه بني سنة 637هجري( 1239م ) على يد الأمير شـمس الديـن سـنقر، بمناسبة انتصار المسلمين تحت قيادة هذا الأمير على الصليبيين بقيادة الكونت هنري دوبـار، وبالقرب من الموقع هناك مقبرة لشهداء المسلمين الذين سقطوا في هذه المعركة، وأضاف حماد أن بيت حانون تتميز بزراعة أشجار الحمضيات والزيتون والعنب والتفاح وغيرها، أما بيت لاهيا التي تبعد حوالي 7 كم شمالي غربي غزة، وتحيط بها الكثبان الرملية من جميع جهاتها، فقد كشف المنقـبون علـى تل الذهب التابع لبيت لاهيا على كميات من الفخار والزجاج، بالإضافة إلى عملات معدنية كثيرة مما يشير إلى مستوطنة بيزنطية كبيرة على التل، وتتميز بيت لاهيا بزراعة الأشجار المثمرة خاصة " التفاح اللهواني" كمـا اشتهرت خلال السنوات القليلة الماضية بزراعة التوت الأرضي والزهور التي تجد طريقها الى الأسواق الأوربية.
مقبرة رومانية
أمـا بلدة جباليا قال حماد فهي تتميز بزراعة الحمضيات والزيتون والعنب، فقد كشفت دائرة الآثار الفلسطينية في غزة عن آثار مقبرة رومانية بيزنطية على الجهة الغربية من تل جباليا الواقع شمالي شارع بيت حانون – غزة الرئيسـي، وتحتوي المقبرة على نظامين للدفن يعود تاريخهما الى الفترات الرومانية والبيزنطية، مشيرًا إلى أن النظام الأول يضم مجموعـة من القبور محفورة في الصخر الكركار، ويضم الثاني قبوراً سطحية منفردة في نفس النوع مـن الـتربة، وهي تأخذ اتجاه شرق غرب، ومغطاة ببلاط من الحجر الرملي، وقد اكتشف في المقبرة أيضاً الكثـير مـن القطـع الفخارية ومصابيح الزيت الرومانية والبيزنطية، بالإضافة إلى قنان من الزجاج، وأساور
وأقـراط ذهبـية وبعض القطع النقدية الذهبية التي يعود تاريخها الى القرن السادس الميلادي، وأوضح حماد أنه على بعد مائة متر من المقبرة اكتشفت أرضية فسيفسائية على يد نفس الدائرة في العام 1997م، ويبدو أن الأرضية جزء من بناء بيزنطي يضم كنيسة بها ممرات وغرف للاستعمال الديني أو الدنيوي.
وأشار حماد إلى الجامع العمري الكبير الذي يعتبر من الجوامع العظمى في فلسطين، وهو ضخم البناء والقيمة الأثرية، وجميل الشكل والهندسة، وبجانبه مكتبة عامرة منذ القدم والى الآن، ويقع في قلب البلدة القديمة في حي الدرج.
ويعتـبر الجامع الكبير الذي لا يعرف على وجه الدقة متى أنشئ، وجامع الشيخ برجس ومقام الشيخ/ محمد المشيش المغربي من أهم المعالم الدينية في جباليا.
محافظة غزة
تقع مدينة غزة على ملتقى طرق تجارية هامة منذ التاريخ القديم، وكانت القوافل تحمل إليها بضائعها المختلفة، وقد مر عدد كبير من العرب في مدينة غزة وعرفوها، ففيها قبر هاشم جد النبي عليه السلام، كما عرفت غزة عـبد الله والد النبي، وأبو سفيان وعمرو بن العاص وعمر بن الخطاب الذي كان أثرى من الاتجار فيها، وفـي عهد المماليك أصبحت غزة من أهم مراكز البريد الذي كان معاوية أول من أدخله في تنظيم دولته وعممه عبد الملك، وقد اهتم السلطان بيبرس بأمر البريد ونظمـه، وكانت طريق الشام عامرة ففي كل مركز بريد ما يحتاج إليه المسافر من زاد له وعلف لدابته.
وفي حديثه حول المعالم الحضارية والأثرية في مدينة غزة أوضح حماد أنه من أهم هذه المعالم هو جامع الخليفة عمر بن الخطاب الذي يعتبر أقدم جامع في المدينة، وبجواره قيصـرية غـزة أو سـوق الذهب، وهو عبارة عن شارع مسقوف بعقد أسطواني يبلغ طوله 50 متراً، وعرضه أقل من 3 أمتار وهو واحد من أقدم وأهم الأسواق في المدينة. كما أشار إلى حمام السمرة وهو الحمام الوحيد الذي مازال مستخدماً في مدينة غزة حتى اليوم، علماً بأن المدينة كانت تحـتوي علـى ستة حمامات مملوكية وتركية، ويعود تاريخ الحمام الى الفترة الرومانية بحسب ما هو منقوش على حجر التأسيس فوق الباب الرئيسي.
وفي حديثه حول المقدسات المسيحية الموجودة في غزة أشار حماد إلى كنيسـة القديـس بورفـيريوس التي تقع في شارع رأس التلة في حي الزيتون، وقد بنيت إبان عه الإمبراطور اركـاديوس عام 420 -395 م) مـن قـبل مطران غزة في ذلك الحين القديس بورفيريوس، وهي محاطة من الجهـات الشـرقية الشـمالية والغربية بمقبرة بيزنطية مازالت مستخدمة حتى الآن من قبل الأقلية المسيحية الصـغيرة الموجـودة في غزة، وأشار إلى أن كنيسة القديس بورفيريوس تحتفظ بقبر أسقف غزة.
كما أشار حماد إلى قصـر الباشا وهو واحد من المواقع التاريخية المهمة وواحد من أجمل المباني في حي الدرج فـي المدينة، ولا يوجد في البناء أية نقوش تدل على تأسيسه، ويقال أن السلطان المملوكي المعروف الظاهر بيـبرس هـو أول من شيد هذا القصر الذي تمثل عمارته وزخرفته نموذجاً للعمـارة والفن الإسلامي في الفترة المملوكية، وقد استخدم القصر كمقر للوالي التركي خلال الفترة العثمانية، ويعـتقد الـبعض أن نابليون استخدم المكان مركزًا لقيادة حملته على عكا سنة 1799 م، وخلال الانتداب كان القصر مركزًا للشرطة، أما الآن فقد تحول الى متحف آثري.
مسجد السيد هاشم
وأشار حماد إلى مسـجد السيد هاشم الذي يعد من أبرز الأماكن الأثرية في غزة، مشيرًا إلى أنه سمي بهذا الاسم نسبة إلى هاشم جد النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ويعد واحداً من أروع المبانـي التاريخـية فـي مديـنة غـزة، وهو مبني من حجارة قديمة تعود لمبان سابقة جرى هدمها، وخصوصـاً مسـجد الجاولي في حي الزيتون، والبلاخية التي أحضروا منها خمسة أعمدة استعملوها في بناء المسجد، والراجح أن المماليك هم أول من أنشأه، وقد جدده السلطان عبد المجيد العثماني سنة 1850 م، وأوضح أن غـزة تضم كذلـك عشرات المساجد الأثرية المختلفة مثل زاويـة الشـيخ أحمد البدوي، وجامع المحكمة، وجامع ابن عثمان، وسبيل السلطان عبد الحميد الثاني، وقبر شمشـون الجـبار أو مقـام الشـيخ أبـو العزم، وميناء غزة البحري القديم، إضافة إلى الأرضية الفسيفسائية البيزنطية على شاطئ غزة، وتل المنطار الذي يقع على قمته جامع المنطار، وتل العجول ووادي غـزة حيث يعود تاريخ الاستيطان البشري في الوادي الى الألف الرابعة قبل الميلاد، ناهـيك عـن الكثير من المباني التاريخية القديمة.
وفي السياق نفسه استعرض حماد المواقع الأثرية الموجودة في خانيونس والتي تعتبر من أهم المواقع السياحية، مشيرًا إلى أن محافظة خـان يونس هي ثاني أكبر مدينة في قطاع غزة، وقد نشأت المدينة حول الخان المملوكي المعروف بهذا الاسـم وهو الخان الذي شيده الأمير يونس بن عبد الله النوروزي الدودار السكرتير التنفيذي للسلطان الظاهر برقوق عام 789 هجري- 1387 ميلادي، ويطلق عليه السكان المحليون اسم القلعة، وكان الغرض من بناء هذه القلعة حماية الـتجار، وتأمين سلامة الطرق البرية التي تربط بين مصر وبلاد الشام، هذا ولا تزال بعض مباني هذه القلعة باقية حتى اليوم وسط المدينة، ويوجد في هذه القلعة مسجد قديم هدمت مئذنته، وأوضح حماد أن مـن المواقـع التاريخية المهمة المكتشفة حديثًا أرضية فسيفسائية في عبسان الكبيرة التي يعود تاريخها إلى بدايـة القـرن السـابع الميلادي، وقبر بيزنطي مبني من الحجر الرملي، وكذلك مقام خليل الرحمن على بعد حوالي 6 كم الى الشمال من الأرضية الفسيفسائية البيزنطية، حيث تقول الروايات أن إبراهيم الخليل توقف في هذه البقعة خلال رحلته بين مصر والخليل عبر بئر السبع.
كما أشار حماد إلى المواقع الأثرية في مدينة رفح التي تقـع على بعد 38 كم جنوبي مدينة غزة والمدينة مشهورة بكونها المدينة التي جرت فيها الاحتفالات بعرس كليوباترا، وفيها يمكن رؤية بقايا معابد للآلهة الرومانية، أرتيمس، وأبولون، مشيرًا إلى أن تل الخرائب الكائن على شاطئ البحر في رفح يحتوي على آثار قديمة تعـود إلى العهد الروماني، كما عثر في تل رفح على كثير من الآثار الرومانية القديمة مثل التوابيت الحجرية والأواني الفخارية والعملات المعدنية.
"الزاوية الاقتصادية" تفتح ملف السياحة وتلقى الضوء على واقع هذا القطاع في غزة وتستطلع أراء أصحاب الفنادق والمطاعم السياحية حول همومهم وما آلت إليه أوضاعهم في ظل الظروف الراهنة، وانعكاسات العدوان الإسرائيلي على هذا القطاع الهام.
فنادق ومطاعم سياحية
ينتشر في مدينة غزة وبالتحديد على شاطئ البحر العديد من الفنادق السياحية والمطاعم والكازينوهات التي من أبرز روادها أصحاب النفوذ والأملاك والتجار والوفود السياحية من مختلف دول العالم، بالإضافة إلى كبار الزوار والوفود الرسمية التي تأتي إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، ورغم أن هذه الفنادق بها خدمات متميزة وتعتبر من أرقى الفنادق على مستوى فلسطين، إلا أنها باتت تشكو من تراجع نسبة روادها، بحيث بات يقتصر ذلك على الوفود الرسمية وإقامة ورشات العمل والندوات والمؤتمرات، خاصة في ظل تردي الوضع الأمني وتراجع سيادة القانون وحالة الفلتان التي نعيشها، هذا فضلاً عن تراجع الوضع الاقتصادي برمته، ويعزوا العديد من أصحاب هذه الفنادق أسباب تراجع الموسم السياحي إلى القيود الصارمة التي تفرضها سلطات الاحتلال على الدخول
إلى قطاع غزة والإغلاق للمعابر والحدود بين الحين والآخر مما لا يشجع السياح على القدوم إلى القطاع، باستثناء من له عمل معين أو في مهمة رسمية، ويرى أصحاب الفنادق أن الأوضاع المعيشية بكافة جوانبها ألقت بظلالها على القطاع السياحي وعلى كافة القطاعات، حيث أدى انعدام الأمن إلى هروب المستثمرين الذين يستطيعون إقامة المشاريع الحيوية، وهذا انعكس سلبًا على القطاع السياحي، خاصة وأن هؤلاء المستثمرين والوفود هم من أبرز نزلاء هذه الفنادق، مؤكدين أن الحركة السياحية تراجعت، ولم يعد هناك الوفود السياحية التي كانت تأتي إلى القطاع سواءً من داخل فلسطين المحتلة عام 1948 أو من مختلف دول العالم، مؤكدين أن الوضع الأمني هو السبب الرئيسي في تراجع السياحة.
ولا يختلف حال أصحاب المطاعم والكازينوهات عن حال أصحاب الفنادق، فهم جميعًا يعانون من تدني مستوى الدخل نتيجة انخفاض عدد رواد هذه المطاعم، وخاصة المطاعم السياحية الفخمة، مشيرين إلى أن الوضع الاقتصادي السيئ لعب دورًا أساسيًا في تراجع نسبة المترددين على هذه المطاعم.
ويمكن للمواطن العادي ملاحظة الأوضاع الصعبة التي آلت إليها السياحة في قطاع غزة من خلال انخفاض عدد السياح، خاصة في الأماكن الأثرية التي تكثر في غزة.
تدني رحلات الشباب
هذا وللوقوف على أهمية السياحة من الناحية الاقتصادية، ومدى اعتماد الدول على هذه الصناعة، بالإضافة إلى واقع السياحة في فلسطين التقت "الزاوية الاقتصادية" الدكتور عبد القادر حماد المختص في الجغرافيا السياحية، وله دراسات عديدة في الجغرافية السياحية والسياحة في فلسطين، حيث أكد أن الإحصائيات تظهر تدني رحلات الشباب في الأراضي الفلسطينية للغاية، ويـرى أن هذا التدني بالرغم من وجود وقت فراغ كافي يرجع إلى الأوضاع السياسية والأمنية السـيئة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وتدهور الأوضاع الاقتصادية جراء الحصار الإسرائيلي المشدد على الأراضـي الفلسطينية، فضلاً عن قيام سلطات الاحتلال بتقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية، وإقامة الحواجز العسكرية وفرض الحصار الخارجي والداخلي عليها، مما يعيق تنقل الفلسطينيين.
وأضاف حماد لعـل الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وسيطرة السلطة الوطنية على معبر رفح يشجع على الحركة والقيام برحلات خارجية وداخلية، مما يعزز من النشاط السياحي في القطاع، خاصةً وأن نسبة كبيرة من أبناء الشعب الفلسطيني حرموا طيلة العقود الماضية من السفر والتنقل .
وأوضح أن السياحة تمثل اليوم ظاهرة اقتصادية آخذة في النمو السريع، وأنه بفضل ارتباطها بالحركة أصبحت ذات علاقة بالبيئة سلباً وإيجابًا، ورأى أنه نتيجة للزيادة المستمرة في وقت الفراغ مقابل أوقات العمل، فقد أصـبح واجب على المهتمين بالتخطيط والسياسيين أن يوجهوا طاقات أفراد مجتمعاتهم في أوقات الفراغ بما يفيد المجتمع والأفراد.
وأكد حماد أن فلسطين تعتبر من البلدان النامية ذات التاريخ السياحي العريق، فصناعة السياحة فيها مغرقة في القدم، حتى يمكن القول أنها المنطقة السياحية الأولى في التاريخ التي جذبت السياح والحجاج والزائرين منذ أقدم العصور حتى يومنا الحالي، مشيرًا إلى أن فلسطين بمـا فـي ذلك قطاع غزة تتميز بأهميتها السياحية نظراً لموقعها الجغرافي المتمـيز، ومكانـتها الروحية المقدسة لدى جميع الطوائف الدينية، وذلك رغم التقلبات السياسية الخطيرة التي تعرضت لها خلال العقود الماضية، وما تمخض عنها من اعتداءات بشرية استعمارية.
صناعة المستقبل
وأوضح الدكتور حماد أن السنوات الماضية سجلت زيادة ملحوظة في الاهتمام بالسياحة في مختلف مناطق العالم، حتى أصبحت هذه الصناعة من أهم الموارد الاقتصادية في كثير من دول العالم، لا سيما النامية منها، حيث تدخل هذه الموارد فـي قائمـة الصـادرات غـير المـنظورة، مشيرًا إلى أنها تعمل على نمو الدخل القومي، والتخفيض من عجز ميزان المدفوعـات، وذلـك عـن طريق دخول العملات والاستثمارات الأجنبية، كما تعمل على إيجاد فرص عمل جديدة، وارتفاع مستوى معيشة الأفراد، هذا بالإضافة إلى الآثار الاجتماعية والثقافية التي يتبادلها السياح في تـنقلاتهم مـع شـعوب البلدان السياحية، مؤكدًا أن السياحة تلعب دوراًً كبيرًا في انتقال وتـبادل ثقافـات الشـعوب، والتأثير والتأثر بالمدنيات العريقة، حيث تؤدي إلى اكتساب الفرد السائح ثقافات مختلفة تزداد بازدياد ترحاله من بلد لآخر، وتفتح مداركه وتزيد معلوماته.
وأوضح حماد أنه نتـيجة لـتعدد وتـنوع وتعقد الحياة والتزاماتها ومشكلاتها أخذت السياحة اهتمامًا عالمياً بسبب كثرة الدول والأفراد المشاركين فيها، ورؤوس الأموال التي تنفق عليها، والآثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية المترتبة علـيها، ولهـذا نجـد الدول تتسابق في الاهتمام بالسياحة أملاً في مردودها الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك تـنافس العلـوم في دراستها، لذلك أنشئت لها التخصصات، حيث تعتـبر السياحة من الأنشطة البشرية التي حققت نمواًً كبيرًا خلال العقود القليلة الماضية على مستوى العالم، لكنه أشار إلى أن نسبة النمو تتفاوت بين دولة وأخرى، وأن معظم دول العالم سعت على كافة مراحل نموها إلى الاهـتمام بالنشاط السياحي في اقتصادياتها، حيث صارت السياحة مقبولة لدى كافة دول العالم، مؤكدًا أنه اعتبارًا من أوائـل السـتينات مـن القرن العشرين لم تعد السياحة ترفاً، بل تنامت ونشطت، حتى أصبحت الآن صناعة المستقبل.
إحصائيات وأرقام
وأوضح حماد أن الإحصائيات تشير إلى التطور الكبير في عدد السياح وحجم الإنفاق لحركة السياحة الدولية اعتبارًا من بداية النصـف الثاني للقرن العشرين، حيث ارتفع عدد السياح من 20مليون سائح في العام 1950 إلى 70 مليون سـائح في العام 1960، إلى 165 مليون سائح في العام 1970 ، بينما بلغ عدد السياح 286 مليون سائح في العام 1980، لـيرتفع في العام 1985 إلى 465 مليون سائح، وفي العام 1995 إلى 561 مليون سائح، و 657 مليون سائح فـي العام 1999 ، بينما ارتفع الإنفاق خلال نفس الفترة من 2.1 مليار دولار في العام 1950 ، و 608 مليار دولار فـي العـام 1960، و18 مليار دولار في العام 1970، و 105 مليار دولار في العام 1980، و 265ملـيار دولار فـي العام 1985، و380 مليار دولار في العام 1995، و 455 مليار دولار في العام 1999.
وأكد حماد أن اقتصاديات العديد من الدول المتقدمة والنامية تعتمد على السياحة كأحد القطاعات الاقتصادية الهامة، وتسعى إلى دعمها وتنميتها وتطويرها، مشيرًا إلى أن فلسطين تعتبر من البلدان النامية ذات التاريخ السياحي العريق، فصناعة السياحة فيها مغرقة في القدم، حتى يمكن القول أنها المنطقة السياحية الأولى في التاريخ التي جذبت السياح والحجاج والزائرين منذ أقدم العصور حـتى يومـنا الحالـي، وجدد حماد التأكيد أن فلسطين بما في ذلك قطاع غزة تتميز بأهميتها السياحية، نظراً لموقعهـا الجغرافـي المتمـيز، ومكانـتها الروحية المقدسة لدى جميع الطوائف الدينية، وذلك رغم التقلبات السياسية الخطيرة التي تعرضت لها خلال العقود الماضية، وما تمخض عنها من اعتداءات بشرية استعمارية كـان هدفهـا السـيطرة على هذه البقعة من العالم، بهدف التحكم في عقدة المواصلات، وجسور الاتصالات.
وأضاف حماد أن الاهتمام بهـذه الصناعة يزداد ونحن نضع اللبنات الأولى للدولة الفلسطينية المستقلة، خاصة بعد زوال الاحـتلال الإسـرائيلي عن جزء من الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة، ومن هنا تبرز أهمية مشاركة الجغرافـي فـي التخطيط لهذه الصناعة لكي تكون قائمة على أسس متينة، إذ أنه يمكن القول أن جميع فروع السـياحة ترتبط من قريب أو بعيد بالجغرافيا، ولا تخلو من وجود بعد جغرافي مؤثر بصورة أو بأخرى، لذا فإنه لا غنى عن الدراسات الجغرافية عند التخطيط للتنمية السياحية.
المقومات السياحية في القطاع
وفي معرض إجابته على سؤال حول المواقع الجغرافية السياحية في قطاع غزة أكد الدكتور حماد أنه تتضـافر فـي القطـاع العديد من العوامل الجغرافية الطبيعية والبشرية التي تؤثر على صناعة السياحة، وبالتالـي تحـدد مدى ازدهارها وتطورها، فالموقع الجغرافي، والمناخ المعتدل، وغير ذلك من العوامل يجعل مـنها محـل اهـتمام سياحي دولي، إذا ما تم إبراز الأهمية السياحية لها، وتطوير المواقع السياحية المختلفة، وإعطاء اهتمام أكثر للتسهيلات السياحية المختلفة، بحيث تتوفر جميع المقومات الكافية لتكامل الجذب السياحي فيها .
وأوضح حماد أن موقـع قطاع غزة يتـيح فرصة للجذب السياحي، إذا توفر الاستقرار السياسي والأمن الاقتصـادي، حيـث يمر بها السائحون القادمون عبر القاهرة باتجاه الضفة الغربية بما في ذلك، القدس الشـريف وباقـي أنحاء الأراضي المقدسة، مما يعطي لها فرصة أن يقضي بها السياح والحجاج بعض الوقت لزيارة معالمها السياحية التي تختلف عن المعالم الأخرى في القدس والضفة الغربية، ومـن هـنا قال حماد تأتـي أهمية بسط السيادة الوطنية على معبر رفح باعتباره المعبر الدولي الوحيد على العالم الخارجي، مع التأكيد على ضرورة رفض أية شروط أو املاءات إسرائيلية بخصوص القادمين عبر هذا المعبر، مع ضمان حرية الحركة على جميع المعابر الأخرى خاصة معبر بيت حانون شمال قطاع غزة.
وتطرق حماد إلى أهمية المناخ في تشجيع السياحة قائلاً: ليس بمقدور أحد نكران أهمية المناخ في حياة الإنسان، وممارسة أنشطته الحياتية المختلفة، مؤكدًا أن السياحة أحد تلـك الأنشـطة التي يلعب المناخ فيها دوراً هاماً، خاصة في المناطق التي لا يتوفر فيها المناخ السياحي الملائـم والمريح الذي يشكل مطلباً جوهرياً للإنسان ليزيل عن كاهله تعب الأيام الطوال من السنة ليجدد نشـاطه وحيويته بالانتقال إلى أماكن يتوفر فيها ما يفتقد إليه في مكان لإقامته الأساسي، مؤكدًا أن المـناخ بعناصره المختلفة المتمثلة في درجة الحرارة، الرطوبة النسبية، المطر، والرياح يؤثر بصورة مباشرة على جسم الإنسان وحياته الاجتماعية والروحية، ولهذا نجد أن المناخ الذي يتقبله الإنسان ويعمـل فيه هو المناخ الدافئ والمشمس ذو الرياح المعتدلة، لا سيما وأن جسم الإنسان وحالته النفسية تتأثران بالمناخ الذي يحيط به .
الجذب السياحي
وأكد حماد أن المناخ المعتدل يعتبر عاملاً هاماً في الجذب السياحي سواء بالنسبة للسياحة الخارجية الدولية أو السياحة الداخلـية، فالسائح يحدد مناطق زيارته في ضوء المناخ الملائم لحاجاته وتحركاته في داخل الإقليم، على الـرغم من أن المناخ المثالي للاستجمام والترويح لا وجود له في أية منطقة في العالم، كما أشار حماد إلى أن درجـة الحـرارة تعد أهـم عنصر مناخي سياحياً، لما لدرجة الحرارة من تأثير هام في حياة الإنسان ونشـاطه، وبالتالـي فهي عنصر جذب سياحي هام، ومحرك للسياح في محيط دائرة سياحتهم.
وعلى صعيد آخر أكد حماد على أهمية اعتدال نسبة الرطوبة في جذب السياح، مؤكدًا أن نسبة الرطوبة في قطاع غزة هي نسبة عادية، وبالتالي تكون ملائمة بصفة عامة للأنشطة السياحية، ولا تشكل عائقاً أمام الحركة السياحية .
كذلك سطوع الشمس من العناصر المناخية الهامة للجذب السياحي، وخاصة في فصل الشتاء، كما أنها من العناصر التي تؤثـر في التنمية السياحية، حيث تمتاز فلسطين بصفة عامة بشمسها المشرقة، ومناخها المعتدل، وأوضح أن قطاع غزة من الأقاليم التي تسطع بها الشمس لفترات طويلة.
ومن جهة أخرى أكد حماد أن مظاهـر السطح وطبوغرافية قطاع غزة تعد من المقومات الجغرافية الهامة التي من الممكن أن تلعب دوراً هامـاً فـي الجذب السياحي إلى القطاع، خاصة وأن تضاريس القطاع تعتبر جزءاً متقلصاً من السهل الساحلي الفلسـطيني الممـتد مـن أقدام جبال الكرمل الغربية في الشمال حتى شبه جزيرة سيناء في الجنوب الغربي .
ويلـتحم فـي الشـرق بتلال أقدام الجبال الفلسطينية ومرتفعات النقب، وينتهي في الغرب على شاطئ البحر المتوسـط بخـط سـاحلي شبه مستقيم، مقوس نحو البر قليلاً ويرتفع السطح العام للسهل الساحلي وأراضي القطـاع باتجـاه الشرق والمرتفعات الفلسطينية حتى يصل إلى ارتفاع 200 متر، حيث مـن الممكـن اسـتغلال هذا المظهر الطبيعي في إقامة العديد من المناطق السياحية وأماكن الجذب السـياحي مثل المتنزهات والساحات الخضراء، وإقامة مرافق سياحية متعددة الأغراض، مثل صالات ضخمة تخصص للمسابقات وإقامة المهرجانات الدولية والأسواق السياحية.
السياحة الترفيهية
وأوضح حماد أن وزارة التخطيط والتعاون الدولي قامت بإعداد مخطط متكامل لمنطقة الساحل في قطاع غزة، ومن الطبيعي بعد زوال الاحـتلال عـن القطاع أن يتم إحياء هذا المشروع الحيوي الهام، ليكون القاعدة الصلبة التي تقوم عليها تنمية القطاع السياحي ومن الممكن استغلالها في عملية النشاط السياحي داخل القطاع .
وتابع حماد يقول: إن قطاع غزة تتنوع به المقومات الطبيعية التي تعطي مجالاً للتنوع السياحي مثل السياحة الترفيهـية، مثل سياحة الصيد البحري، وسياحة اللهو وقضاء أوقات الفراغ المختلفة، فهو يطل على البحر الأبيض المتوسـط الـذي يمكن استغلاله في ممارسة صيد الأسمال وتشجيع هذه الهواية، وإقامة المهرجانات الدولية الخاصـة بذلك، بالإضافة إلى رياضة التجديف والتزحلق على الماء، كما يمكن للسائحين القيام بنزهة بحرية وذلك من خلال سفن سياحية متخصصة، واستقبال سفن سياحية مماثلة .
وأضاف أنه يمكـن تشـجيع السياح على زيـارة قطاع غزة للاستمتاع بالشمس المشرقة الدافئة، خاصة في ظل عدم وجود العواصـف والرياح العنيفة، فضلاً عن تشجيع السياحة الريفية، في الأجزاء المتبقية من الريف الفلسطيني في القطاع، خاصةً في منطقة المواصي التي تعتبر من أجمل البقاع التي يجد فيها الإنسان متعته، حيث الهواء العلـيل والـثمار والأشـجار المثمرة خاصة الجوافة والنخيل، وشاطئ البحر برماله الصفراء.
وعلى صعيد آخر اعتـبر حماد المقومـات البشـرية من عناصر البنية الأساسية التي يجب أن تتوفر وتعمل بكفاءة حتى يمكن توفير التسهيلات والخدمات المختلفة التي تعمل على الجذب السياحي، مشيرًا إلى أن المقومات والعوامل البشرية المؤثرة في السياحة كظاهرة وصناعة تتعدد لتشمل وقت الفراغ ومستوى الدخل وتركيـب السـكان العمري والاقتصادي والنقل والاستعمار القديم والدافع الديني والعامل التاريخي ورأس المال والدعاية والإعلام السياحي، بالإضافة إلى العوامل الثقافية التي تشتمل على المهرجانات والكرنفالات والمتاحف والمعـارض والأسـواق الدولية وأحوال الشعوب وصناعاتهم اليدوية وأساليب حياتهم.
الأهمية الدينية
ومن جهة أخرى أكد حماد أن قطـاع غـزة يعتبر ذو أهمـية دينية باعتباره جزءاً أصيلاً من الأراضي الفلسطينية الذي يضم العديد من المـزارات الدينـية الإسلامية والمسيحية التي تعتبر قبلة لكثير من الحجاج والسياح، و أضاف: لاشك أن وجود هذه الأماكـن يلعب دوراً مباشراً في تنشيط الحركة السياحية الداخلية والدولية، إذا توفرت الشروط الخاصة بذلك، مثل القيام بحملة إعلامية منظمة تظهر الأهمية الدينية والسياحية لقطاع غزة في الخارج، إضافة إلى الاهتمام بتأهيل هذه المزارات والمواقع الدينية لتكون جاهزة لاستقبال الحجاج والسياح من مختلف الأصقاع.
وأكد حماد أن القطـاع السـياحي يلعب دوراً رئيسـيًا في تشكيل الدخل القومي في فلسطين، فضلاً عن أنه يستوعب في الظـروف العاديـة أعـدادًا كبيرة من الأيدي العاملة، الأمر الذي يساهم في توفير فرص العمل للعاطلين عن العمـل، لا سـيما بعـد الانسـحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وسيطرة السلطة الوطنية على معبر رفح، ورأى أن ذلك يفتح مجـالات جديدة لم تكن موجودة أصلاً قبل هذا النشاط الخدمي الجديد مما يحقق أحد أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية المرجوة.
وبالـرغم من أنه من الصعب تحديد أعداد العاملين في القطاع السياحي في قطاع غزة بشكل دقيق، جراء الـتذبذب فـي أعداد العاملين خلال السنوات الماضية، فضلاً عن دمج إحصاءات العاملين في هذا القطاع مع قطاعـات أخـرى، وكذلـك تداخـل السياحة بالقطاعات الأخرى، مما أدى الى صعوبة تصنيف العاملين في السـياحة بشكل مباشر، والعاملين فيه بشكل جزئي من خلال القطاعات الأخرى، إلا أنه من الأهمية الاهتمام بقطاع العمالة في القطاع السياحي لما لذلك من تأثير مباشر على هذا القطاع.
العاملون في القطاع السياحي
وأفاد حماد أن الإحصاءات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تشير إلى أن نسبة العاملين من قطاع غزة في التجارة والمطاعم والفنادق بلغت 15.6%من إجمالي العاملين في العام 2004 ، كما بلغت نسبة العاملين مـن الذكور في ذات المجال 17.2%من إجمالي الذكور العاملين خلال نفس الفترة، بينما بلغت نسبة الإناث العاملات
5.3 %من إجمالي الإناث العاملات.
وأوضح حماد أنه يلاحـظ تذبـذب أعـداد العاملين في هذا القطاع خلال الفترة من 1995 وحتى العام 2004 ، مشيرًا إلى أنه بلغ عدد العاملين في قطاع التجارة والمطاعم والفنادق 19.6 % في العام 1995، و 17.5 %في العام 2000، و19.4% في العام 2004، حيث بلـغ عدد العاملين في المنشآت السياحية في قطاع غزة 591 عامل في نهاية العام 2000 من إجمالي عدد العامليـن فـي المنشـآت السـياحية فـي الضـفة الغربية وقطاع غزة، والبالغ عددهم 5297 عامل بحسب الإحصاءات الصادرة عن وزارة السياحة والآثار.
وأوضح أن نسبة العاملات في القطاع السياحي في العام 2000 بلغت حوالي 3% من إجمالي العاملين في هذا المجال، وبـناء عليه خلص حماد للقول أن هناك نسبة من العاملين في القطاع السياحي يمكن الاعتماد عليها، خاصة وأنـه لديهـا الـتجربة الجيدة في هذا المجال، والتي يمكن إعادة تأهيلها وتطويرها بشكل يتلائم مع التطلعات السـياحية الجديـدة في القطاع، خاصةً وأنه تتوافر الآن كلية متخصصة في الدراسات السياحية، إضافة إلى أقسـام متخصصة في الكليات والمؤسسات التعليمية في قطاع غزة، مما يساهم بتوفير الأيدي العاملة المدربة والقادرة على النهوض بهذا القطاع الحيوي والهام.
ورأى حماد أنه يمكن أن تساهم الجامعات بصورة جادة في الدفع باتجاه عملية التنمية السياحية، وذلك باعتبار أن نجاح عملية التنمـية السياحية لا يتوقع أن يتم بمعزل عن النظام التعليمي في المجتمع، مؤكدًا أن الجامعات ومؤسسات التعليم العالي على اختلافها تعتبر من أهم عناصر هذا النظام.
الآثار التاريخية
وحول الآثار التاريخية وأهميتها في تنشيط العملية السياحية ومدى توفر هذه الآثار في قطاع غزة أكد حماد أن قطـاع غزة يعتبر من المناطق الغنية بالآثار التاريخية المختلفة، إلا أن الكثير منها اندثر أو دمر أو نهب خـلال العقود الماضية، ورغم ذلك أوضح حماد أنه مازالت محافظات القطاع تزخر بمعالمها الإسلامية والمسيحية، ومبانيها التاريخية، التي تعود الى فترات تاريخية متفاوتة .
وأضاف: لاشـك أن المعـالم الأثرية والمخلفات الحضارية تشكل قوة جذب للسياح الأجانب، يضاف الى ذلك، الطابع الشـرقي الأصـيل الذي خلفه شعب فلسطين العربي على أرضه عبر قرون طويلة ومتواصلة، وإلى الميزات والصـفات الشـرقية التي يمتاز بها العربي من كرم وحسن ضيافة، فضلاً عن العـادات والتقالـيد والأنماط السلوكية المختلفة التي تعتبر من عوامل الجذب السياحي، ويمكن استخدامها في التنمية السياحية في قطاع غزة .
وأوضح حماد أن محافظة شمال غزة تضم العديد من المعالم الحضارية وأماكن الجذب السياحي، حيث يعتبر وادي بيت حانون وتل النصر من المعالم الطبوغرافية المميزة في بيت حانون شمال القطاع، وقد كان للاثنين دور عسكري مهم أثناء الحروب الصليبية، هذا الى جانب جامع النصر الذي يذكر أنه بني سنة 637هجري( 1239م ) على يد الأمير شـمس الديـن سـنقر، بمناسبة انتصار المسلمين تحت قيادة هذا الأمير على الصليبيين بقيادة الكونت هنري دوبـار، وبالقرب من الموقع هناك مقبرة لشهداء المسلمين الذين سقطوا في هذه المعركة، وأضاف حماد أن بيت حانون تتميز بزراعة أشجار الحمضيات والزيتون والعنب والتفاح وغيرها، أما بيت لاهيا التي تبعد حوالي 7 كم شمالي غربي غزة، وتحيط بها الكثبان الرملية من جميع جهاتها، فقد كشف المنقـبون علـى تل الذهب التابع لبيت لاهيا على كميات من الفخار والزجاج، بالإضافة إلى عملات معدنية كثيرة مما يشير إلى مستوطنة بيزنطية كبيرة على التل، وتتميز بيت لاهيا بزراعة الأشجار المثمرة خاصة " التفاح اللهواني" كمـا اشتهرت خلال السنوات القليلة الماضية بزراعة التوت الأرضي والزهور التي تجد طريقها الى الأسواق الأوربية.
مقبرة رومانية
أمـا بلدة جباليا قال حماد فهي تتميز بزراعة الحمضيات والزيتون والعنب، فقد كشفت دائرة الآثار الفلسطينية في غزة عن آثار مقبرة رومانية بيزنطية على الجهة الغربية من تل جباليا الواقع شمالي شارع بيت حانون – غزة الرئيسـي، وتحتوي المقبرة على نظامين للدفن يعود تاريخهما الى الفترات الرومانية والبيزنطية، مشيرًا إلى أن النظام الأول يضم مجموعـة من القبور محفورة في الصخر الكركار، ويضم الثاني قبوراً سطحية منفردة في نفس النوع مـن الـتربة، وهي تأخذ اتجاه شرق غرب، ومغطاة ببلاط من الحجر الرملي، وقد اكتشف في المقبرة أيضاً الكثـير مـن القطـع الفخارية ومصابيح الزيت الرومانية والبيزنطية، بالإضافة إلى قنان من الزجاج، وأساور
وأقـراط ذهبـية وبعض القطع النقدية الذهبية التي يعود تاريخها الى القرن السادس الميلادي، وأوضح حماد أنه على بعد مائة متر من المقبرة اكتشفت أرضية فسيفسائية على يد نفس الدائرة في العام 1997م، ويبدو أن الأرضية جزء من بناء بيزنطي يضم كنيسة بها ممرات وغرف للاستعمال الديني أو الدنيوي.
وأشار حماد إلى الجامع العمري الكبير الذي يعتبر من الجوامع العظمى في فلسطين، وهو ضخم البناء والقيمة الأثرية، وجميل الشكل والهندسة، وبجانبه مكتبة عامرة منذ القدم والى الآن، ويقع في قلب البلدة القديمة في حي الدرج.
ويعتـبر الجامع الكبير الذي لا يعرف على وجه الدقة متى أنشئ، وجامع الشيخ برجس ومقام الشيخ/ محمد المشيش المغربي من أهم المعالم الدينية في جباليا.
محافظة غزة
تقع مدينة غزة على ملتقى طرق تجارية هامة منذ التاريخ القديم، وكانت القوافل تحمل إليها بضائعها المختلفة، وقد مر عدد كبير من العرب في مدينة غزة وعرفوها، ففيها قبر هاشم جد النبي عليه السلام، كما عرفت غزة عـبد الله والد النبي، وأبو سفيان وعمرو بن العاص وعمر بن الخطاب الذي كان أثرى من الاتجار فيها، وفـي عهد المماليك أصبحت غزة من أهم مراكز البريد الذي كان معاوية أول من أدخله في تنظيم دولته وعممه عبد الملك، وقد اهتم السلطان بيبرس بأمر البريد ونظمـه، وكانت طريق الشام عامرة ففي كل مركز بريد ما يحتاج إليه المسافر من زاد له وعلف لدابته.
وفي حديثه حول المعالم الحضارية والأثرية في مدينة غزة أوضح حماد أنه من أهم هذه المعالم هو جامع الخليفة عمر بن الخطاب الذي يعتبر أقدم جامع في المدينة، وبجواره قيصـرية غـزة أو سـوق الذهب، وهو عبارة عن شارع مسقوف بعقد أسطواني يبلغ طوله 50 متراً، وعرضه أقل من 3 أمتار وهو واحد من أقدم وأهم الأسواق في المدينة. كما أشار إلى حمام السمرة وهو الحمام الوحيد الذي مازال مستخدماً في مدينة غزة حتى اليوم، علماً بأن المدينة كانت تحـتوي علـى ستة حمامات مملوكية وتركية، ويعود تاريخ الحمام الى الفترة الرومانية بحسب ما هو منقوش على حجر التأسيس فوق الباب الرئيسي.
وفي حديثه حول المقدسات المسيحية الموجودة في غزة أشار حماد إلى كنيسـة القديـس بورفـيريوس التي تقع في شارع رأس التلة في حي الزيتون، وقد بنيت إبان عه الإمبراطور اركـاديوس عام 420 -395 م) مـن قـبل مطران غزة في ذلك الحين القديس بورفيريوس، وهي محاطة من الجهـات الشـرقية الشـمالية والغربية بمقبرة بيزنطية مازالت مستخدمة حتى الآن من قبل الأقلية المسيحية الصـغيرة الموجـودة في غزة، وأشار إلى أن كنيسة القديس بورفيريوس تحتفظ بقبر أسقف غزة.
كما أشار حماد إلى قصـر الباشا وهو واحد من المواقع التاريخية المهمة وواحد من أجمل المباني في حي الدرج فـي المدينة، ولا يوجد في البناء أية نقوش تدل على تأسيسه، ويقال أن السلطان المملوكي المعروف الظاهر بيـبرس هـو أول من شيد هذا القصر الذي تمثل عمارته وزخرفته نموذجاً للعمـارة والفن الإسلامي في الفترة المملوكية، وقد استخدم القصر كمقر للوالي التركي خلال الفترة العثمانية، ويعـتقد الـبعض أن نابليون استخدم المكان مركزًا لقيادة حملته على عكا سنة 1799 م، وخلال الانتداب كان القصر مركزًا للشرطة، أما الآن فقد تحول الى متحف آثري.
مسجد السيد هاشم
وأشار حماد إلى مسـجد السيد هاشم الذي يعد من أبرز الأماكن الأثرية في غزة، مشيرًا إلى أنه سمي بهذا الاسم نسبة إلى هاشم جد النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ويعد واحداً من أروع المبانـي التاريخـية فـي مديـنة غـزة، وهو مبني من حجارة قديمة تعود لمبان سابقة جرى هدمها، وخصوصـاً مسـجد الجاولي في حي الزيتون، والبلاخية التي أحضروا منها خمسة أعمدة استعملوها في بناء المسجد، والراجح أن المماليك هم أول من أنشأه، وقد جدده السلطان عبد المجيد العثماني سنة 1850 م، وأوضح أن غـزة تضم كذلـك عشرات المساجد الأثرية المختلفة مثل زاويـة الشـيخ أحمد البدوي، وجامع المحكمة، وجامع ابن عثمان، وسبيل السلطان عبد الحميد الثاني، وقبر شمشـون الجـبار أو مقـام الشـيخ أبـو العزم، وميناء غزة البحري القديم، إضافة إلى الأرضية الفسيفسائية البيزنطية على شاطئ غزة، وتل المنطار الذي يقع على قمته جامع المنطار، وتل العجول ووادي غـزة حيث يعود تاريخ الاستيطان البشري في الوادي الى الألف الرابعة قبل الميلاد، ناهـيك عـن الكثير من المباني التاريخية القديمة.
وفي السياق نفسه استعرض حماد المواقع الأثرية الموجودة في خانيونس والتي تعتبر من أهم المواقع السياحية، مشيرًا إلى أن محافظة خـان يونس هي ثاني أكبر مدينة في قطاع غزة، وقد نشأت المدينة حول الخان المملوكي المعروف بهذا الاسـم وهو الخان الذي شيده الأمير يونس بن عبد الله النوروزي الدودار السكرتير التنفيذي للسلطان الظاهر برقوق عام 789 هجري- 1387 ميلادي، ويطلق عليه السكان المحليون اسم القلعة، وكان الغرض من بناء هذه القلعة حماية الـتجار، وتأمين سلامة الطرق البرية التي تربط بين مصر وبلاد الشام، هذا ولا تزال بعض مباني هذه القلعة باقية حتى اليوم وسط المدينة، ويوجد في هذه القلعة مسجد قديم هدمت مئذنته، وأوضح حماد أن مـن المواقـع التاريخية المهمة المكتشفة حديثًا أرضية فسيفسائية في عبسان الكبيرة التي يعود تاريخها إلى بدايـة القـرن السـابع الميلادي، وقبر بيزنطي مبني من الحجر الرملي، وكذلك مقام خليل الرحمن على بعد حوالي 6 كم الى الشمال من الأرضية الفسيفسائية البيزنطية، حيث تقول الروايات أن إبراهيم الخليل توقف في هذه البقعة خلال رحلته بين مصر والخليل عبر بئر السبع.
كما أشار حماد إلى المواقع الأثرية في مدينة رفح التي تقـع على بعد 38 كم جنوبي مدينة غزة والمدينة مشهورة بكونها المدينة التي جرت فيها الاحتفالات بعرس كليوباترا، وفيها يمكن رؤية بقايا معابد للآلهة الرومانية، أرتيمس، وأبولون، مشيرًا إلى أن تل الخرائب الكائن على شاطئ البحر في رفح يحتوي على آثار قديمة تعـود إلى العهد الروماني، كما عثر في تل رفح على كثير من الآثار الرومانية القديمة مثل التوابيت الحجرية والأواني الفخارية والعملات المعدنية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق