بكثير من السرور ينظر يوسف أبو نجيلة إمام مسجد السيد هاشم بمدينة غزة لمنع قوات الاحتلال الإسرائيلي الهنود من طائفة "البهرة" من دخول قطاع غزة "للتبرك والتمسح بضريح" السيد هاشم بن عبد مناف جد النبي محمد صلى الله عليه وسلم المدفون بالمسجد. ومنذ اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000 تمنع إسرائيل الأجانب بشكل عام من دخول القطاع.
ويقول أبو نجيلة: إن الصحوة الدينية التي شهدها قطاع غزة منذ الانتفاضة الأولى عام 1987 نجحت أيضًا في القضاء على الكثير من البدع والخرافات التي سادت لفترة طويلة من الزمن، باستثناء ممارسات "البهرة"؛ نظرًا لحماية السلطة الفلسطينية لهم.
واعتاد الهنود "البهرة" زيارة الضريح الموجود داخل مسجد السيد هاشم لأداء طقوس وعبادات داخله، حيث يعتبرونه أحد مقدساتهم الخمسة التي يجب على أبناء الطائفة زيارتها والحج إليها.
ولم يكن "البهرة" وحدهم من يقوم بالبدع داخل الضريح، حيث كانت تنتشر في قطاع غزة حتى بداية الثمانينيات من القرن الماضي الكثير من البدع والطقوس داخل الضريح.
ويشير إمام المسجد يوسف أبو نجيلة إلى بعض أشكال البدع والخرافات التي كانت تمارس في المسجد، ويقول: "كان الناس يأتون يطلبون البركة وقضاء الحوائج منه. فالمرأة العاقر والرجل العقيم يأتون ويذبحون فيه القرابين. والبعض يقوم بختان أطفاله في الضريح. والبعض الآخر يقوم بحلق شعر المولود داخله".
ويستذكر أبو نجيلة أن بعض الناس كانوا يوقدون الشموع في الداخل ويتمسحون بالجدران والقبر ويطوفون حوله.
حملات توعية
ويقول أبو نجيلة: إن هذه المظاهر استمرت حتى بداية الانتفاضة الأولى، حيث أقدم عدد من الشبان المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين بعزل الضريح عن المسجد وإزالة شواهد القبر، من أجل منع الناس من القيام بهذه البدع والطقوس، ومارسوا حملات توعية للناس.
ويضيف: "مع مرور الوقت تقبّل الناس الأمر، وأصبحوا أكثر وعيًا بحرمة تلك البدع والخرافات التي كانوا يمارسونها داخل الضريح".
لكن "هذا العمل أثار غضب الملك حسين عاهل المملكة الأردنية الهاشمية الراحل، حيث حكم على الشبان الثلاثة الذين فصلوا الضريح عن المسجد بالإعدام، لكونه يعتبر أن السيد هاشم بن عبد مناف جده وأن مملكته تنسب إليه" بحسب الشيخ أبو نجيلة.
عودة البهرة
ومع قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994، طلبت منها طائفة البهرة السماح لها بتطوير الضريح وأنفقت لهذا الغرض نحو 30 ألف دولار بين عامي 1999 - 2000م. وخلال هذه الفترة كانت تأتي وفود حجيج البهرة تترى عبر رحلات سياحية تضم الرجال والنساء والأطفال وتقوم بممارسة طقوس وعبادات غريبة، منها الدوران حول القبر والتمسح بالجدران وإيقاد الشموع.
وحين اكتمل بناء الضريح أقام البهرة حفل افتتاح حضره سلطانهم الهندي وكان عمره وقتها حوالي 100 عام، ووفرت له السلطة الفلسطينية وقتها حراسة خاصة.
وأقام البهرة بهذه المناسبة حفل غداء وذبحوا خروفين على باب المسجد، ويشير أبو نجيلة إلى حادثة طريفة وقعت في الحفل حيث اختلف بعض علماء وزارة الأوقاف الفلسطينية الذين حضروا الحفل حول حرمة الأكل من لحم الخروفين.
وبعدها بفترة حضر ابن السلطان وقام بطلاء أبواب الضريح وحصل على مفاتيحه كي يقوم أبناء طائفته بدخوله وقتما يشاءون.
ويشير أبو نجيلة إلى أن البهرة يعتبرون المقام مقدسًا لديهم، بالإضافة إلى 4 مناطق أخرى في العالم هي المسجد الإبراهيمي والمسجد الأقصى والمقام الحسيني في مصر ومغارة أهل الكهف في الأردن.
بقايا ممارسات
ورغم اختفاء البدع وانتشار الوعي الديني لدى الفلسطينيين فإن أبو نجيلة يشير إلى وجود بقايا ممارسات قديمة تحصل من حين لآخر.
ويقول: "حيث حضرت قبل فترة سيدة تريد ذبح خروف في منتصف صحن المسجد وفاء لنذر نذرته، إلا أن بعض الشبان منعوها وقاموا بذبح الخروف على باب المسجد". كما يوضح أن بعض العجائز يطلبون أحيانًا زيارة الضريح ويتمسحون به.
وبحسب أبو نجيلة فإن بعض الصوفية من أهل القطاع يحضرون بين فترة وأخرى (فرادى) ويزورون الضريح.
خوارق العادات
ولا يخفى الحاج أبو سليمان العمريطي (87 عامًا) أحد رواد المسجد حزنه على إزالة شواهد الضريح وفصله عن المسجد، نهاية الثمانينيات من قبل بعض الشباب؛ معللاً ذلك بأنه "مكان مقدس وأثري".
ويقول: "السيد هاشم جد الرسول عليه الصلاة والسلام حضر إلى هنا ومن أجله سميت مدينتنا بغزة هاشم، وكان القبر موجودا لوحده قبل أن يبنى المسجد".
ويستذكر الحاج العمريطي مراحل عدة من تاريخ هذا المسجد، كونه كما قال عاصر الانتداب البريطاني، ثم الحكم المصري، ثم الاحتلال الإسرائيلي، وأخيرًا عهد السلطة الفلسطينية.
ويقول: "كان الناس يقدّسون الضريح ويحضرون الأطعمة خاصة الجريشة (طعام يصنع من القمح) ويوقدون الشمع ويطهرون (يختنون) الغلمان، ويحلقون لهم ويقيمون فيه احتفالات المولد النبوي والإسراء والمعراج".
ويستذكر أن الصوفيين كانوا يقيمون احتفالات في المسجد، ويقومون بأعمال "خارقة للعادة فيه؛ حيث كان يدخلون السيوف الحادة في أجساد بعضهم من دون أن يقتلوا".
ويشير كذلك إلى البهرة الذين يصفهم بأنهم كالرمال من كثرتهم، كانوا يحضرون بنسائهم وأطفالهم ويقومون بتقبيل الضريح والتمسح به.
غزة هاشم
ويقع مسجد السيد هاشم بحي الدرج بمدينة غزة القديمة، وهو من أجمل جوامع غزة الأثرية وأكبرها. وهو عبارة عن صحن مكشوف تحيط به 4 مظلات أكبرها مظلة القبلة وفي الغرفة التي تفتح على المظلة الغربية ضريح السيد هاشم بن عبد مناف الذي تُوفِّي في غزة أثناء رحلته التجارية "رحلة الصيف". وقد أنشئ المسجد على يد المماليك، وجدده السلطان عبد الحميد سنة 1850م = 1268هـ، وسميت مدينة غزة "بغزة هاشم" نسبة إليه.
وتقول روايات التاريخ إن السيد هاشم كان تاجرًا صدوقًا اعتاد أن يمر بمدينة غزة في رحلته للتجارة في الشام، في ذهابه وإيابه، فيقيم في خاناتها أيامًا وليالي؛ وقد مرض ذات ليلة ثم توفِّي، وعمره 25 عامًا.
ورثاه الشاعر مطرد الخزاعي بقصيدة جاء فيها:
مات (الندى) بالشام لما أن ثوى أودى بغزة هاشم لا يبعد
فجفانُه ورم لمن ينتابه والنصر أولى باللسان وباليد
وتشير المراجع التاريخية إلى أن مدرسة كانت موجودة في المسجد أنشأها المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في فلسطين من مال الوقف، وقد أصابت الجامع قنبلة أثناء الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) فخربته، لكن المجلس الإسلامي الأعلى عمَّره وأرجعه إلى أحسن مما كان عليه.
البهرة
البَهَرة ـ طائفة من الشيعة مركزها الآن "بومباي" بالهند يَقرُب عددهم من مليون ونصف المليون، والبَهَرة هي الوسط من كل شيء، أو الوسط من الطريق، وهو في الأصل اسم لقبيلة من اليمن، يقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين: "أمير الجامعة السيفية" الدعاة الفاطميون حين نزلوا على الساحل الغربي للهند "ساحل بحر العرب" سألهم أهل الهند: من أنتم؟ قالوا: جئنا للتجارة. والتجار في اللغة الهندية المحلية كانوا يُسمَّون "وهرة" وبلغة الهند الواو والباء مترادفتان سموا "البهرة" فاسمهم مشتق من اللغة الكجراتية "الجو جاراتيه" السائدة في غربي الهند.
2 ـ البهرة أصلهم فاطمي ، خرجوا من مصر والدولة الفاطمية قائمة، وعند زوالها من مصر واغتيال الخليفة العشرين "العامر بالله" سنة 1130م ادعى قبل موته التنبؤ ببداية مرحلة من الفوضى، وأن استمرار دعوته لابد أن يكون في الستر والخفاء، وقد وَرِث عنه ابنه الأوسط "الطيِّب" الإمامة وهاجر مع أتباعه إلى اليمن، وقد تَسلسل الدعاة في اليمن أربعة تقريبًا ، ثم نَقلُوا مركز الدعوة إلى الهند.
ويُحاول البهرة أن يكون طراز حياتهم فاطميًّا، فقد كانوا أولاً في المدينة إلى أيام جعفر الصادق ثم انتقلوا إلى عدة مراكز في "سلمية" بسوريا، وأرادوا أن يقيموا دولة، فأقاموها أولاً في "أبكجان" بالجزائر، ثم بَنَوا عاصمتهم "المهدية" في تونس، واختاروا "المنصورية" عاصمة لهم، ثم القاهرة، وقد تم ذلك في عهد أربعة أئمة: المهدي بالله ، القائم بأمر الله، المنصور بالله، ثم المعز لدين الله الذي نقل العاصمة إلى القاهرة.
بعد المعز لدين الله، جاء العزيز بالله، والحاكم، والظاهر، والمستنصر، والمستعلي، والآمر بأحكام الله، والأخير هو الإمام العشرون في عداد الأئمة الفاطميين بعد علي بن أبي طالب، وابنه "الطيِّب" هو الحادي والعشرون، والإمام الآمر هو الذي أمر بحمل ابنه الإمام وإبعاده عن القاهرة إلى بقعة أَخفَوها عن الناس، ثم أقاموا لهم في اليمن نائبًا، فالفاطميون يعتقدون أن الأئمة من نسل الإمام الطيِّب، وأن النواب والدعاة تسلسلوا من نسله إلى وقتنا هذا، فوجود الداعي يدل على وجود الإمام. وسوف يأتي يوم يَظهَر فيه الإمام. يقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين: نحن نختلف مع الاثني عشرية، فالذي اختفى عندهم هو الإمام الثاني عشر والذي سيظهر بشخصه يومًا ما، أما نحن فنقول: إن الذي اختفى هو "الطيب" وحين انتهى عمره الطبيعي خلفه ابنه إمامًا، وهكذا فنحن لا نعتقد أن الإمام يعيش فوق عمره الطبيعي.
وسلاطين البهرة هم النواب، ورتبهم الدينية هي رتبة الداعي المطلق، واشتُهروا بالسلاطين في اليمن والهند، وهم دون الأئمة رتبة.
ويدعون لهم ولا يدعون لأنفسهم، والعصمة للإمام ومن ينوب عنه من الدعاة حتى لا يخرج عن المذهب.
3 ـ جاء في الحديث عنهم: أن العامر بالله المتوفى سنة 1130م عيَّن قبل وفاته مجلسًا للوصاية من بعض الدعاة على ورثته وهو ابنه "الطيِّب" كما عيَّن أخاه "عبد الماجد" لرعاية شئون الجماعية الدنيوية نيابة عن الطيب، ولكن بعد موت "العامر" اغتصب عبد الماجد الإمامة من ابن أخيه بمساعدة قائد الجيش، فلما شَعَر أعضاء المجلس بتعرض "الطيب" للخطر أخفوه عن الأنظار، ولم يُعرَف عنه شيء بعد ذلك، واعتبروا هذا بداية عهد الستر، وقد نَشِطت الدعوة في اليمن منذ أواخر القرن الحادي عشر حيث كانت مقرًّا لداعيهم، وانتشرت عن طريق التجارة في شرقي أفريقيا وغربي الهند، وهم مشهورون بمزاولة التجارة والثراء العظيم، ولابد أن يدفع كل بالغ مبلغًا من المال للجماعتين على دفعتين في العام، يتناسب مع ثروته وأهمية المناسبة. وغالبًا ما يكون من 5 ـ 1 شلنًا. يذهب جزء من المبالغ إلى خزينة السلطان، ويحتفظ مندوبوه المعروفون بالعمّال في الأقاليم بالباقي، ويَحصل كل منهم على مرتب ثابت ومقر لإقامته بالمجان، فضلاً عن مكافأة من خزينة المجلس للطائفة، ولهذا يَطمع الكثيرون في هذه المناصب.
4 ـ أركان الإسلام عندهم سبعة: الصلاة، والزكاة، والصيام ، والحج ، والولاية، والطهارة، وتتضمن تحريم الدخان والموسيقى والأفلام، ويقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين، قولنا بالطهارة احتياط، لأننا في وسط بيئة غير مسلمة ـ بالهند ـ وهم في صلواتهم يجمعون بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، ولا يصلون الجمعة، بل يصلونها ظهرًا، ويصلون العيد بدون خطبة أربع ركعات، ويقدسون مأساة كربلاء لمدة عشرة أيام، ويحتفلون بيوم "غدير خم" في يوم 18 من ذي الحجة حيث تمت الوصية للإمام علي، يصومون فيه ويُجدِّدون العهد للداعي المطلق في بومباي أو الدعاة المبايعين وهم نوابه في الأقاليم. وأتباع الداعي يُطيعونه طاعة عمياء، وهناك عهد قديم بالولاء للإمام الطيب والإمام المنتظر. والداعي المطلق عندهم معصوم في لك تصرفاته.
5 ـ زعيمهم الراحل هو الدكتور: ملا صاحب أبو محمد طاهر سيف الدين، كان شاعرًا ورأس جامعة "عليكره" واهتم بالعلوم الدينية وإحياء التراث الفاطمي، وهو الداعية رقم 51 في سلسلة الدعاة الفاطميين، وتولى هذه الدعوة من 1915 ـ 1965 م وطوَّر الدراسة في الجامعة "السيفية" في مدينة "سورت" وهي حصن الثقافة والعربية، وكان يلُقي محاضرات باللغة العربية في رمضان وتطبع بعنوان " الرسالة الرمضانية" والزعيم الحالي هو الدكتور محمد برهان الدين الداعية رقم 52. وقد أقاموا للداعية الراحل مسجدًا وضريحًا في قلب الحي التجاري في بومباي في منطقة : "بهاندي بازار" واحتفلوا بافتتاحه يوم السبت 8 من ربيع الآخر سنة 1395 هـ (9/4/1975م) في شارع إبراهيم رحمة الله. ودُعِيَ إليه علماء كثيرون، منهم الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر، والشيخ محمد خاطر مفتي مصر، ومعهما الشيخان محمود خليل الحصري وعبد الباسط محمد عبد الصمد لقراءة القرآن، والشيخ محمد الطوخي للأناشيد.
ويوجد في مكتبة السلطان ومكتبة الجامعة السيفية مخطوطات فاطمية نُقِلت بعد ضعف الدولة الفاطمية من مصر إلى اليمن ثم الهند، وحافظوا عليها حتى منعوا تداولها، ثم أباح السلطان أو الزعيم الراحل نشْر بعضها.
والضريح مبني على الطراز الفاطمي حيث حضر إلى مصر مهندس منهم اسمه "يحيى مرتد" وصور عدة مساجد من ذلك العهد، والمسجد يُسمَّى "روضة طاهرة" مساحته ثلاثة آلاف متر مربع، عرض كل جدار إحدى وخمسون قدمًا، رمزًا لرقم الداعية المتوفى، والارتفاع ثمانون قدمًا، رمزًا لعمره، وغطيت جدرانه بالمرمر المضاهى لمرمر "تاج محل" من منطقة"راجستان" بالهند، ومن مميزاته أنه يظل باردًا على الرغم من حرارة الجو ونقش القرآن كله على ألواح مرمرية عددها 772 ك للوح 3 × 2 من الأقدام ، ورصعت البسملات بخمسة أنواع من الجواهر: الياقوت، المرجان، الدر الزمرد، الماس. وسورة الإخلاص كلها مرصعة بالياقوت الأحمر، واستغرق البناء ثماني سنوات منها أربع لحفر القرآن وطلائه (سنتان للحفر وسنتان للنقش والطلاء والترصيع).
المراجع:
1 ـ استطلاع مجلة العربي عدد سبتمبر 1975م بقلم محمد حسني زكي.
2 ـ الأهرام 2/5/1975 بقلم الدكتور ياسين مراد.
3 ـ مجلة المصور 20/1/1978 تحقيق أحمد أبو كف.
ويقول أبو نجيلة: إن الصحوة الدينية التي شهدها قطاع غزة منذ الانتفاضة الأولى عام 1987 نجحت أيضًا في القضاء على الكثير من البدع والخرافات التي سادت لفترة طويلة من الزمن، باستثناء ممارسات "البهرة"؛ نظرًا لحماية السلطة الفلسطينية لهم.
واعتاد الهنود "البهرة" زيارة الضريح الموجود داخل مسجد السيد هاشم لأداء طقوس وعبادات داخله، حيث يعتبرونه أحد مقدساتهم الخمسة التي يجب على أبناء الطائفة زيارتها والحج إليها.
ولم يكن "البهرة" وحدهم من يقوم بالبدع داخل الضريح، حيث كانت تنتشر في قطاع غزة حتى بداية الثمانينيات من القرن الماضي الكثير من البدع والطقوس داخل الضريح.
ويشير إمام المسجد يوسف أبو نجيلة إلى بعض أشكال البدع والخرافات التي كانت تمارس في المسجد، ويقول: "كان الناس يأتون يطلبون البركة وقضاء الحوائج منه. فالمرأة العاقر والرجل العقيم يأتون ويذبحون فيه القرابين. والبعض يقوم بختان أطفاله في الضريح. والبعض الآخر يقوم بحلق شعر المولود داخله".
ويستذكر أبو نجيلة أن بعض الناس كانوا يوقدون الشموع في الداخل ويتمسحون بالجدران والقبر ويطوفون حوله.
حملات توعية
ويقول أبو نجيلة: إن هذه المظاهر استمرت حتى بداية الانتفاضة الأولى، حيث أقدم عدد من الشبان المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين بعزل الضريح عن المسجد وإزالة شواهد القبر، من أجل منع الناس من القيام بهذه البدع والطقوس، ومارسوا حملات توعية للناس.
ويضيف: "مع مرور الوقت تقبّل الناس الأمر، وأصبحوا أكثر وعيًا بحرمة تلك البدع والخرافات التي كانوا يمارسونها داخل الضريح".
لكن "هذا العمل أثار غضب الملك حسين عاهل المملكة الأردنية الهاشمية الراحل، حيث حكم على الشبان الثلاثة الذين فصلوا الضريح عن المسجد بالإعدام، لكونه يعتبر أن السيد هاشم بن عبد مناف جده وأن مملكته تنسب إليه" بحسب الشيخ أبو نجيلة.
عودة البهرة
ومع قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994، طلبت منها طائفة البهرة السماح لها بتطوير الضريح وأنفقت لهذا الغرض نحو 30 ألف دولار بين عامي 1999 - 2000م. وخلال هذه الفترة كانت تأتي وفود حجيج البهرة تترى عبر رحلات سياحية تضم الرجال والنساء والأطفال وتقوم بممارسة طقوس وعبادات غريبة، منها الدوران حول القبر والتمسح بالجدران وإيقاد الشموع.
وحين اكتمل بناء الضريح أقام البهرة حفل افتتاح حضره سلطانهم الهندي وكان عمره وقتها حوالي 100 عام، ووفرت له السلطة الفلسطينية وقتها حراسة خاصة.
وأقام البهرة بهذه المناسبة حفل غداء وذبحوا خروفين على باب المسجد، ويشير أبو نجيلة إلى حادثة طريفة وقعت في الحفل حيث اختلف بعض علماء وزارة الأوقاف الفلسطينية الذين حضروا الحفل حول حرمة الأكل من لحم الخروفين.
وبعدها بفترة حضر ابن السلطان وقام بطلاء أبواب الضريح وحصل على مفاتيحه كي يقوم أبناء طائفته بدخوله وقتما يشاءون.
ويشير أبو نجيلة إلى أن البهرة يعتبرون المقام مقدسًا لديهم، بالإضافة إلى 4 مناطق أخرى في العالم هي المسجد الإبراهيمي والمسجد الأقصى والمقام الحسيني في مصر ومغارة أهل الكهف في الأردن.
بقايا ممارسات
ورغم اختفاء البدع وانتشار الوعي الديني لدى الفلسطينيين فإن أبو نجيلة يشير إلى وجود بقايا ممارسات قديمة تحصل من حين لآخر.
ويقول: "حيث حضرت قبل فترة سيدة تريد ذبح خروف في منتصف صحن المسجد وفاء لنذر نذرته، إلا أن بعض الشبان منعوها وقاموا بذبح الخروف على باب المسجد". كما يوضح أن بعض العجائز يطلبون أحيانًا زيارة الضريح ويتمسحون به.
وبحسب أبو نجيلة فإن بعض الصوفية من أهل القطاع يحضرون بين فترة وأخرى (فرادى) ويزورون الضريح.
خوارق العادات
ولا يخفى الحاج أبو سليمان العمريطي (87 عامًا) أحد رواد المسجد حزنه على إزالة شواهد الضريح وفصله عن المسجد، نهاية الثمانينيات من قبل بعض الشباب؛ معللاً ذلك بأنه "مكان مقدس وأثري".
ويقول: "السيد هاشم جد الرسول عليه الصلاة والسلام حضر إلى هنا ومن أجله سميت مدينتنا بغزة هاشم، وكان القبر موجودا لوحده قبل أن يبنى المسجد".
ويستذكر الحاج العمريطي مراحل عدة من تاريخ هذا المسجد، كونه كما قال عاصر الانتداب البريطاني، ثم الحكم المصري، ثم الاحتلال الإسرائيلي، وأخيرًا عهد السلطة الفلسطينية.
ويقول: "كان الناس يقدّسون الضريح ويحضرون الأطعمة خاصة الجريشة (طعام يصنع من القمح) ويوقدون الشمع ويطهرون (يختنون) الغلمان، ويحلقون لهم ويقيمون فيه احتفالات المولد النبوي والإسراء والمعراج".
ويستذكر أن الصوفيين كانوا يقيمون احتفالات في المسجد، ويقومون بأعمال "خارقة للعادة فيه؛ حيث كان يدخلون السيوف الحادة في أجساد بعضهم من دون أن يقتلوا".
ويشير كذلك إلى البهرة الذين يصفهم بأنهم كالرمال من كثرتهم، كانوا يحضرون بنسائهم وأطفالهم ويقومون بتقبيل الضريح والتمسح به.
غزة هاشم
ويقع مسجد السيد هاشم بحي الدرج بمدينة غزة القديمة، وهو من أجمل جوامع غزة الأثرية وأكبرها. وهو عبارة عن صحن مكشوف تحيط به 4 مظلات أكبرها مظلة القبلة وفي الغرفة التي تفتح على المظلة الغربية ضريح السيد هاشم بن عبد مناف الذي تُوفِّي في غزة أثناء رحلته التجارية "رحلة الصيف". وقد أنشئ المسجد على يد المماليك، وجدده السلطان عبد الحميد سنة 1850م = 1268هـ، وسميت مدينة غزة "بغزة هاشم" نسبة إليه.
وتقول روايات التاريخ إن السيد هاشم كان تاجرًا صدوقًا اعتاد أن يمر بمدينة غزة في رحلته للتجارة في الشام، في ذهابه وإيابه، فيقيم في خاناتها أيامًا وليالي؛ وقد مرض ذات ليلة ثم توفِّي، وعمره 25 عامًا.
ورثاه الشاعر مطرد الخزاعي بقصيدة جاء فيها:
مات (الندى) بالشام لما أن ثوى أودى بغزة هاشم لا يبعد
فجفانُه ورم لمن ينتابه والنصر أولى باللسان وباليد
وتشير المراجع التاريخية إلى أن مدرسة كانت موجودة في المسجد أنشأها المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في فلسطين من مال الوقف، وقد أصابت الجامع قنبلة أثناء الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) فخربته، لكن المجلس الإسلامي الأعلى عمَّره وأرجعه إلى أحسن مما كان عليه.
البهرة
البَهَرة ـ طائفة من الشيعة مركزها الآن "بومباي" بالهند يَقرُب عددهم من مليون ونصف المليون، والبَهَرة هي الوسط من كل شيء، أو الوسط من الطريق، وهو في الأصل اسم لقبيلة من اليمن، يقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين: "أمير الجامعة السيفية" الدعاة الفاطميون حين نزلوا على الساحل الغربي للهند "ساحل بحر العرب" سألهم أهل الهند: من أنتم؟ قالوا: جئنا للتجارة. والتجار في اللغة الهندية المحلية كانوا يُسمَّون "وهرة" وبلغة الهند الواو والباء مترادفتان سموا "البهرة" فاسمهم مشتق من اللغة الكجراتية "الجو جاراتيه" السائدة في غربي الهند.
2 ـ البهرة أصلهم فاطمي ، خرجوا من مصر والدولة الفاطمية قائمة، وعند زوالها من مصر واغتيال الخليفة العشرين "العامر بالله" سنة 1130م ادعى قبل موته التنبؤ ببداية مرحلة من الفوضى، وأن استمرار دعوته لابد أن يكون في الستر والخفاء، وقد وَرِث عنه ابنه الأوسط "الطيِّب" الإمامة وهاجر مع أتباعه إلى اليمن، وقد تَسلسل الدعاة في اليمن أربعة تقريبًا ، ثم نَقلُوا مركز الدعوة إلى الهند.
ويُحاول البهرة أن يكون طراز حياتهم فاطميًّا، فقد كانوا أولاً في المدينة إلى أيام جعفر الصادق ثم انتقلوا إلى عدة مراكز في "سلمية" بسوريا، وأرادوا أن يقيموا دولة، فأقاموها أولاً في "أبكجان" بالجزائر، ثم بَنَوا عاصمتهم "المهدية" في تونس، واختاروا "المنصورية" عاصمة لهم، ثم القاهرة، وقد تم ذلك في عهد أربعة أئمة: المهدي بالله ، القائم بأمر الله، المنصور بالله، ثم المعز لدين الله الذي نقل العاصمة إلى القاهرة.
بعد المعز لدين الله، جاء العزيز بالله، والحاكم، والظاهر، والمستنصر، والمستعلي، والآمر بأحكام الله، والأخير هو الإمام العشرون في عداد الأئمة الفاطميين بعد علي بن أبي طالب، وابنه "الطيِّب" هو الحادي والعشرون، والإمام الآمر هو الذي أمر بحمل ابنه الإمام وإبعاده عن القاهرة إلى بقعة أَخفَوها عن الناس، ثم أقاموا لهم في اليمن نائبًا، فالفاطميون يعتقدون أن الأئمة من نسل الإمام الطيِّب، وأن النواب والدعاة تسلسلوا من نسله إلى وقتنا هذا، فوجود الداعي يدل على وجود الإمام. وسوف يأتي يوم يَظهَر فيه الإمام. يقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين: نحن نختلف مع الاثني عشرية، فالذي اختفى عندهم هو الإمام الثاني عشر والذي سيظهر بشخصه يومًا ما، أما نحن فنقول: إن الذي اختفى هو "الطيب" وحين انتهى عمره الطبيعي خلفه ابنه إمامًا، وهكذا فنحن لا نعتقد أن الإمام يعيش فوق عمره الطبيعي.
وسلاطين البهرة هم النواب، ورتبهم الدينية هي رتبة الداعي المطلق، واشتُهروا بالسلاطين في اليمن والهند، وهم دون الأئمة رتبة.
ويدعون لهم ولا يدعون لأنفسهم، والعصمة للإمام ومن ينوب عنه من الدعاة حتى لا يخرج عن المذهب.
3 ـ جاء في الحديث عنهم: أن العامر بالله المتوفى سنة 1130م عيَّن قبل وفاته مجلسًا للوصاية من بعض الدعاة على ورثته وهو ابنه "الطيِّب" كما عيَّن أخاه "عبد الماجد" لرعاية شئون الجماعية الدنيوية نيابة عن الطيب، ولكن بعد موت "العامر" اغتصب عبد الماجد الإمامة من ابن أخيه بمساعدة قائد الجيش، فلما شَعَر أعضاء المجلس بتعرض "الطيب" للخطر أخفوه عن الأنظار، ولم يُعرَف عنه شيء بعد ذلك، واعتبروا هذا بداية عهد الستر، وقد نَشِطت الدعوة في اليمن منذ أواخر القرن الحادي عشر حيث كانت مقرًّا لداعيهم، وانتشرت عن طريق التجارة في شرقي أفريقيا وغربي الهند، وهم مشهورون بمزاولة التجارة والثراء العظيم، ولابد أن يدفع كل بالغ مبلغًا من المال للجماعتين على دفعتين في العام، يتناسب مع ثروته وأهمية المناسبة. وغالبًا ما يكون من 5 ـ 1 شلنًا. يذهب جزء من المبالغ إلى خزينة السلطان، ويحتفظ مندوبوه المعروفون بالعمّال في الأقاليم بالباقي، ويَحصل كل منهم على مرتب ثابت ومقر لإقامته بالمجان، فضلاً عن مكافأة من خزينة المجلس للطائفة، ولهذا يَطمع الكثيرون في هذه المناصب.
4 ـ أركان الإسلام عندهم سبعة: الصلاة، والزكاة، والصيام ، والحج ، والولاية، والطهارة، وتتضمن تحريم الدخان والموسيقى والأفلام، ويقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين، قولنا بالطهارة احتياط، لأننا في وسط بيئة غير مسلمة ـ بالهند ـ وهم في صلواتهم يجمعون بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، ولا يصلون الجمعة، بل يصلونها ظهرًا، ويصلون العيد بدون خطبة أربع ركعات، ويقدسون مأساة كربلاء لمدة عشرة أيام، ويحتفلون بيوم "غدير خم" في يوم 18 من ذي الحجة حيث تمت الوصية للإمام علي، يصومون فيه ويُجدِّدون العهد للداعي المطلق في بومباي أو الدعاة المبايعين وهم نوابه في الأقاليم. وأتباع الداعي يُطيعونه طاعة عمياء، وهناك عهد قديم بالولاء للإمام الطيب والإمام المنتظر. والداعي المطلق عندهم معصوم في لك تصرفاته.
5 ـ زعيمهم الراحل هو الدكتور: ملا صاحب أبو محمد طاهر سيف الدين، كان شاعرًا ورأس جامعة "عليكره" واهتم بالعلوم الدينية وإحياء التراث الفاطمي، وهو الداعية رقم 51 في سلسلة الدعاة الفاطميين، وتولى هذه الدعوة من 1915 ـ 1965 م وطوَّر الدراسة في الجامعة "السيفية" في مدينة "سورت" وهي حصن الثقافة والعربية، وكان يلُقي محاضرات باللغة العربية في رمضان وتطبع بعنوان " الرسالة الرمضانية" والزعيم الحالي هو الدكتور محمد برهان الدين الداعية رقم 52. وقد أقاموا للداعية الراحل مسجدًا وضريحًا في قلب الحي التجاري في بومباي في منطقة : "بهاندي بازار" واحتفلوا بافتتاحه يوم السبت 8 من ربيع الآخر سنة 1395 هـ (9/4/1975م) في شارع إبراهيم رحمة الله. ودُعِيَ إليه علماء كثيرون، منهم الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر، والشيخ محمد خاطر مفتي مصر، ومعهما الشيخان محمود خليل الحصري وعبد الباسط محمد عبد الصمد لقراءة القرآن، والشيخ محمد الطوخي للأناشيد.
ويوجد في مكتبة السلطان ومكتبة الجامعة السيفية مخطوطات فاطمية نُقِلت بعد ضعف الدولة الفاطمية من مصر إلى اليمن ثم الهند، وحافظوا عليها حتى منعوا تداولها، ثم أباح السلطان أو الزعيم الراحل نشْر بعضها.
والضريح مبني على الطراز الفاطمي حيث حضر إلى مصر مهندس منهم اسمه "يحيى مرتد" وصور عدة مساجد من ذلك العهد، والمسجد يُسمَّى "روضة طاهرة" مساحته ثلاثة آلاف متر مربع، عرض كل جدار إحدى وخمسون قدمًا، رمزًا لرقم الداعية المتوفى، والارتفاع ثمانون قدمًا، رمزًا لعمره، وغطيت جدرانه بالمرمر المضاهى لمرمر "تاج محل" من منطقة"راجستان" بالهند، ومن مميزاته أنه يظل باردًا على الرغم من حرارة الجو ونقش القرآن كله على ألواح مرمرية عددها 772 ك للوح 3 × 2 من الأقدام ، ورصعت البسملات بخمسة أنواع من الجواهر: الياقوت، المرجان، الدر الزمرد، الماس. وسورة الإخلاص كلها مرصعة بالياقوت الأحمر، واستغرق البناء ثماني سنوات منها أربع لحفر القرآن وطلائه (سنتان للحفر وسنتان للنقش والطلاء والترصيع).
المراجع:
1 ـ استطلاع مجلة العربي عدد سبتمبر 1975م بقلم محمد حسني زكي.
2 ـ الأهرام 2/5/1975 بقلم الدكتور ياسين مراد.
3 ـ مجلة المصور 20/1/1978 تحقيق أحمد أبو كف.
صورة رقم 1
صورة رقم 2
صورة رقم 3
صورة رقم 4
صورة رقم 5
صورة رقم 6
صورة رقم 7
صورة رقم 8
صورة رقم 9
صورة رقم 10
بكثير من السرور ينظر يوسف أبو نجيلة إمام مسجد السيد هاشم بمدينة غزة لمنع قوات الاحتلال الإسرائيلي الهنود من طائفة "البهرة" من دخول قطاع غزة "للتبرك والتمسح بضريح" السيد هاشم بن عبد مناف جد النبي محمد صلى الله عليه وسلم المدفون بالمسجد. ومنذ اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000 تمنع إسرائيل الأجانب بشكل عام من دخول القطاع.
ويقول أبو نجيلة: إن الصحوة الدينية التي شهدها قطاع غزة منذ الانتفاضة الأولى عام 1987 نجحت أيضًا في القضاء على الكثير من البدع والخرافات التي سادت لفترة طويلة من الزمن، باستثناء ممارسات "البهرة"؛ نظرًا لحماية السلطة الفلسطينية لهم.
واعتاد الهنود "البهرة" زيارة الضريح الموجود داخل مسجد السيد هاشم لأداء طقوس وعبادات داخله، حيث يعتبرونه أحد مقدساتهم الخمسة التي يجب على أبناء الطائفة زيارتها والحج إليها.
ولم يكن "البهرة" وحدهم من يقوم بالبدع داخل الضريح، حيث كانت تنتشر في قطاع غزة حتى بداية الثمانينيات من القرن الماضي الكثير من البدع والطقوس داخل الضريح.
ويشير إمام المسجد يوسف أبو نجيلة إلى بعض أشكال البدع والخرافات التي كانت تمارس في المسجد، ويقول: "كان الناس يأتون يطلبون البركة وقضاء الحوائج منه. فالمرأة العاقر والرجل العقيم يأتون ويذبحون فيه القرابين. والبعض يقوم بختان أطفاله في الضريح. والبعض الآخر يقوم بحلق شعر المولود داخله".
ويستذكر أبو نجيلة أن بعض الناس كانوا يوقدون الشموع في الداخل ويتمسحون بالجدران والقبر ويطوفون حوله.
حملات توعية
ويقول أبو نجيلة: إن هذه المظاهر استمرت حتى بداية الانتفاضة الأولى، حيث أقدم عدد من الشبان المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين بعزل الضريح عن المسجد وإزالة شواهد القبر، من أجل منع الناس من القيام بهذه البدع والطقوس، ومارسوا حملات توعية للناس.
ويضيف: "مع مرور الوقت تقبّل الناس الأمر، وأصبحوا أكثر وعيًا بحرمة تلك البدع والخرافات التي كانوا يمارسونها داخل الضريح".
لكن "هذا العمل أثار غضب الملك حسين عاهل المملكة الأردنية الهاشمية الراحل، حيث حكم على الشبان الثلاثة الذين فصلوا الضريح عن المسجد بالإعدام، لكونه يعتبر أن السيد هاشم بن عبد مناف جده وأن مملكته تنسب إليه" بحسب الشيخ أبو نجيلة.
عودة البهرة
ومع قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994، طلبت منها طائفة البهرة السماح لها بتطوير الضريح وأنفقت لهذا الغرض نحو 30 ألف دولار بين عامي 1999 - 2000م. وخلال هذه الفترة كانت تأتي وفود حجيج البهرة تترى عبر رحلات سياحية تضم الرجال والنساء والأطفال وتقوم بممارسة طقوس وعبادات غريبة، منها الدوران حول القبر والتمسح بالجدران وإيقاد الشموع.
وحين اكتمل بناء الضريح أقام البهرة حفل افتتاح حضره سلطانهم الهندي وكان عمره وقتها حوالي 100 عام، ووفرت له السلطة الفلسطينية وقتها حراسة خاصة.
وأقام البهرة بهذه المناسبة حفل غداء وذبحوا خروفين على باب المسجد، ويشير أبو نجيلة إلى حادثة طريفة وقعت في الحفل حيث اختلف بعض علماء وزارة الأوقاف الفلسطينية الذين حضروا الحفل حول حرمة الأكل من لحم الخروفين.
وبعدها بفترة حضر ابن السلطان وقام بطلاء أبواب الضريح وحصل على مفاتيحه كي يقوم أبناء طائفته بدخوله وقتما يشاءون.
ويشير أبو نجيلة إلى أن البهرة يعتبرون المقام مقدسًا لديهم، بالإضافة إلى 4 مناطق أخرى في العالم هي المسجد الإبراهيمي والمسجد الأقصى والمقام الحسيني في مصر ومغارة أهل الكهف في الأردن.
بقايا ممارسات
ورغم اختفاء البدع وانتشار الوعي الديني لدى الفلسطينيين فإن أبو نجيلة يشير إلى وجود بقايا ممارسات قديمة تحصل من حين لآخر.
ويقول: "حيث حضرت قبل فترة سيدة تريد ذبح خروف في منتصف صحن المسجد وفاء لنذر نذرته، إلا أن بعض الشبان منعوها وقاموا بذبح الخروف على باب المسجد". كما يوضح أن بعض العجائز يطلبون أحيانًا زيارة الضريح ويتمسحون به.
وبحسب أبو نجيلة فإن بعض الصوفية من أهل القطاع يحضرون بين فترة وأخرى (فرادى) ويزورون الضريح.
خوارق العادات
ولا يخفى الحاج أبو سليمان العمريطي (87 عامًا) أحد رواد المسجد حزنه على إزالة شواهد الضريح وفصله عن المسجد، نهاية الثمانينيات من قبل بعض الشباب؛ معللاً ذلك بأنه "مكان مقدس وأثري".
ويقول: "السيد هاشم جد الرسول عليه الصلاة والسلام حضر إلى هنا ومن أجله سميت مدينتنا بغزة هاشم، وكان القبر موجودا لوحده قبل أن يبنى المسجد".
ويستذكر الحاج العمريطي مراحل عدة من تاريخ هذا المسجد، كونه كما قال عاصر الانتداب البريطاني، ثم الحكم المصري، ثم الاحتلال الإسرائيلي، وأخيرًا عهد السلطة الفلسطينية.
ويقول: "كان الناس يقدّسون الضريح ويحضرون الأطعمة خاصة الجريشة (طعام يصنع من القمح) ويوقدون الشمع ويطهرون (يختنون) الغلمان، ويحلقون لهم ويقيمون فيه احتفالات المولد النبوي والإسراء والمعراج".
ويستذكر أن الصوفيين كانوا يقيمون احتفالات في المسجد، ويقومون بأعمال "خارقة للعادة فيه؛ حيث كان يدخلون السيوف الحادة في أجساد بعضهم من دون أن يقتلوا".
ويشير كذلك إلى البهرة الذين يصفهم بأنهم كالرمال من كثرتهم، كانوا يحضرون بنسائهم وأطفالهم ويقومون بتقبيل الضريح والتمسح به.
غزة هاشم
ويقع مسجد السيد هاشم بحي الدرج بمدينة غزة القديمة، وهو من أجمل جوامع غزة الأثرية وأكبرها. وهو عبارة عن صحن مكشوف تحيط به 4 مظلات أكبرها مظلة القبلة وفي الغرفة التي تفتح على المظلة الغربية ضريح السيد هاشم بن عبد مناف الذي تُوفِّي في غزة أثناء رحلته التجارية "رحلة الصيف". وقد أنشئ المسجد على يد المماليك، وجدده السلطان عبد الحميد سنة 1850م = 1268هـ، وسميت مدينة غزة "بغزة هاشم" نسبة إليه.
وتقول روايات التاريخ إن السيد هاشم كان تاجرًا صدوقًا اعتاد أن يمر بمدينة غزة في رحلته للتجارة في الشام، في ذهابه وإيابه، فيقيم في خاناتها أيامًا وليالي؛ وقد مرض ذات ليلة ثم توفِّي، وعمره 25 عامًا.
ورثاه الشاعر مطرد الخزاعي بقصيدة جاء فيها:
مات (الندى) بالشام لما أن ثوى أودى بغزة هاشم لا يبعد
فجفانُه ورم لمن ينتابه والنصر أولى باللسان وباليد
وتشير المراجع التاريخية إلى أن مدرسة كانت موجودة في المسجد أنشأها المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في فلسطين من مال الوقف، وقد أصابت الجامع قنبلة أثناء الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) فخربته، لكن المجلس الإسلامي الأعلى عمَّره وأرجعه إلى أحسن مما كان عليه.
البهرة
البَهَرة ـ طائفة من الشيعة مركزها الآن "بومباي" بالهند يَقرُب عددهم من مليون ونصف المليون، والبَهَرة هي الوسط من كل شيء، أو الوسط من الطريق، وهو في الأصل اسم لقبيلة من اليمن، يقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين: "أمير الجامعة السيفية" الدعاة الفاطميون حين نزلوا على الساحل الغربي للهند "ساحل بحر العرب" سألهم أهل الهند: من أنتم؟ قالوا: جئنا للتجارة. والتجار في اللغة الهندية المحلية كانوا يُسمَّون "وهرة" وبلغة الهند الواو والباء مترادفتان سموا "البهرة" فاسمهم مشتق من اللغة الكجراتية "الجو جاراتيه" السائدة في غربي الهند.
2 ـ البهرة أصلهم فاطمي ، خرجوا من مصر والدولة الفاطمية قائمة، وعند زوالها من مصر واغتيال الخليفة العشرين "العامر بالله" سنة 1130م ادعى قبل موته التنبؤ ببداية مرحلة من الفوضى، وأن استمرار دعوته لابد أن يكون في الستر والخفاء، وقد وَرِث عنه ابنه الأوسط "الطيِّب" الإمامة وهاجر مع أتباعه إلى اليمن، وقد تَسلسل الدعاة في اليمن أربعة تقريبًا ، ثم نَقلُوا مركز الدعوة إلى الهند.
ويُحاول البهرة أن يكون طراز حياتهم فاطميًّا، فقد كانوا أولاً في المدينة إلى أيام جعفر الصادق ثم انتقلوا إلى عدة مراكز في "سلمية" بسوريا، وأرادوا أن يقيموا دولة، فأقاموها أولاً في "أبكجان" بالجزائر، ثم بَنَوا عاصمتهم "المهدية" في تونس، واختاروا "المنصورية" عاصمة لهم، ثم القاهرة، وقد تم ذلك في عهد أربعة أئمة: المهدي بالله ، القائم بأمر الله، المنصور بالله، ثم المعز لدين الله الذي نقل العاصمة إلى القاهرة.
بعد المعز لدين الله، جاء العزيز بالله، والحاكم، والظاهر، والمستنصر، والمستعلي، والآمر بأحكام الله، والأخير هو الإمام العشرون في عداد الأئمة الفاطميين بعد علي بن أبي طالب، وابنه "الطيِّب" هو الحادي والعشرون، والإمام الآمر هو الذي أمر بحمل ابنه الإمام وإبعاده عن القاهرة إلى بقعة أَخفَوها عن الناس، ثم أقاموا لهم في اليمن نائبًا، فالفاطميون يعتقدون أن الأئمة من نسل الإمام الطيِّب، وأن النواب والدعاة تسلسلوا من نسله إلى وقتنا هذا، فوجود الداعي يدل على وجود الإمام. وسوف يأتي يوم يَظهَر فيه الإمام. يقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين: نحن نختلف مع الاثني عشرية، فالذي اختفى عندهم هو الإمام الثاني عشر والذي سيظهر بشخصه يومًا ما، أما نحن فنقول: إن الذي اختفى هو "الطيب" وحين انتهى عمره الطبيعي خلفه ابنه إمامًا، وهكذا فنحن لا نعتقد أن الإمام يعيش فوق عمره الطبيعي.
وسلاطين البهرة هم النواب، ورتبهم الدينية هي رتبة الداعي المطلق، واشتُهروا بالسلاطين في اليمن والهند، وهم دون الأئمة رتبة.
ويدعون لهم ولا يدعون لأنفسهم، والعصمة للإمام ومن ينوب عنه من الدعاة حتى لا يخرج عن المذهب.
3 ـ جاء في الحديث عنهم: أن العامر بالله المتوفى سنة 1130م عيَّن قبل وفاته مجلسًا للوصاية من بعض الدعاة على ورثته وهو ابنه "الطيِّب" كما عيَّن أخاه "عبد الماجد" لرعاية شئون الجماعية الدنيوية نيابة عن الطيب، ولكن بعد موت "العامر" اغتصب عبد الماجد الإمامة من ابن أخيه بمساعدة قائد الجيش، فلما شَعَر أعضاء المجلس بتعرض "الطيب" للخطر أخفوه عن الأنظار، ولم يُعرَف عنه شيء بعد ذلك، واعتبروا هذا بداية عهد الستر، وقد نَشِطت الدعوة في اليمن منذ أواخر القرن الحادي عشر حيث كانت مقرًّا لداعيهم، وانتشرت عن طريق التجارة في شرقي أفريقيا وغربي الهند، وهم مشهورون بمزاولة التجارة والثراء العظيم، ولابد أن يدفع كل بالغ مبلغًا من المال للجماعتين على دفعتين في العام، يتناسب مع ثروته وأهمية المناسبة. وغالبًا ما يكون من 5 ـ 1 شلنًا. يذهب جزء من المبالغ إلى خزينة السلطان، ويحتفظ مندوبوه المعروفون بالعمّال في الأقاليم بالباقي، ويَحصل كل منهم على مرتب ثابت ومقر لإقامته بالمجان، فضلاً عن مكافأة من خزينة المجلس للطائفة، ولهذا يَطمع الكثيرون في هذه المناصب.
4 ـ أركان الإسلام عندهم سبعة: الصلاة، والزكاة، والصيام ، والحج ، والولاية، والطهارة، وتتضمن تحريم الدخان والموسيقى والأفلام، ويقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين، قولنا بالطهارة احتياط، لأننا في وسط بيئة غير مسلمة ـ بالهند ـ وهم في صلواتهم يجمعون بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، ولا يصلون الجمعة، بل يصلونها ظهرًا، ويصلون العيد بدون خطبة أربع ركعات، ويقدسون مأساة كربلاء لمدة عشرة أيام، ويحتفلون بيوم "غدير خم" في يوم 18 من ذي الحجة حيث تمت الوصية للإمام علي، يصومون فيه ويُجدِّدون العهد للداعي المطلق في بومباي أو الدعاة المبايعين وهم نوابه في الأقاليم. وأتباع الداعي يُطيعونه طاعة عمياء، وهناك عهد قديم بالولاء للإمام الطيب والإمام المنتظر. والداعي المطلق عندهم معصوم في لك تصرفاته.
5 ـ زعيمهم الراحل هو الدكتور: ملا صاحب أبو محمد طاهر سيف الدين، كان شاعرًا ورأس جامعة "عليكره" واهتم بالعلوم الدينية وإحياء التراث الفاطمي، وهو الداعية رقم 51 في سلسلة الدعاة الفاطميين، وتولى هذه الدعوة من 1915 ـ 1965 م وطوَّر الدراسة في الجامعة "السيفية" في مدينة "سورت" وهي حصن الثقافة والعربية، وكان يلُقي محاضرات باللغة العربية في رمضان وتطبع بعنوان " الرسالة الرمضانية" والزعيم الحالي هو الدكتور محمد برهان الدين الداعية رقم 52. وقد أقاموا للداعية الراحل مسجدًا وضريحًا في قلب الحي التجاري في بومباي في منطقة : "بهاندي بازار" واحتفلوا بافتتاحه يوم السبت 8 من ربيع الآخر سنة 1395 هـ (9/4/1975م) في شارع إبراهيم رحمة الله. ودُعِيَ إليه علماء كثيرون، منهم الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر، والشيخ محمد خاطر مفتي مصر، ومعهما الشيخان محمود خليل الحصري وعبد الباسط محمد عبد الصمد لقراءة القرآن، والشيخ محمد الطوخي للأناشيد.
ويوجد في مكتبة السلطان ومكتبة الجامعة السيفية مخطوطات فاطمية نُقِلت بعد ضعف الدولة الفاطمية من مصر إلى اليمن ثم الهند، وحافظوا عليها حتى منعوا تداولها، ثم أباح السلطان أو الزعيم الراحل نشْر بعضها.
والضريح مبني على الطراز الفاطمي حيث حضر إلى مصر مهندس منهم اسمه "يحيى مرتد" وصور عدة مساجد من ذلك العهد، والمسجد يُسمَّى "روضة طاهرة" مساحته ثلاثة آلاف متر مربع، عرض كل جدار إحدى وخمسون قدمًا، رمزًا لرقم الداعية المتوفى، والارتفاع ثمانون قدمًا، رمزًا لعمره، وغطيت جدرانه بالمرمر المضاهى لمرمر "تاج محل" من منطقة"راجستان" بالهند، ومن مميزاته أنه يظل باردًا على الرغم من حرارة الجو ونقش القرآن كله على ألواح مرمرية عددها 772 ك للوح 3 × 2 من الأقدام ، ورصعت البسملات بخمسة أنواع من الجواهر: الياقوت، المرجان، الدر الزمرد، الماس. وسورة الإخلاص كلها مرصعة بالياقوت الأحمر، واستغرق البناء ثماني سنوات منها أربع لحفر القرآن وطلائه (سنتان للحفر وسنتان للنقش والطلاء والترصيع).
المراجع:
1 ـ استطلاع مجلة العربي عدد سبتمبر 1975م بقلم محمد حسني زكي.
2 ـ الأهرام 2/5/1975 بقلم الدكتور ياسين مراد.
3 ـ مجلة المصور 20/1/1978 تحقيق أحمد أبو كف.
ويقول أبو نجيلة: إن الصحوة الدينية التي شهدها قطاع غزة منذ الانتفاضة الأولى عام 1987 نجحت أيضًا في القضاء على الكثير من البدع والخرافات التي سادت لفترة طويلة من الزمن، باستثناء ممارسات "البهرة"؛ نظرًا لحماية السلطة الفلسطينية لهم.
واعتاد الهنود "البهرة" زيارة الضريح الموجود داخل مسجد السيد هاشم لأداء طقوس وعبادات داخله، حيث يعتبرونه أحد مقدساتهم الخمسة التي يجب على أبناء الطائفة زيارتها والحج إليها.
ولم يكن "البهرة" وحدهم من يقوم بالبدع داخل الضريح، حيث كانت تنتشر في قطاع غزة حتى بداية الثمانينيات من القرن الماضي الكثير من البدع والطقوس داخل الضريح.
ويشير إمام المسجد يوسف أبو نجيلة إلى بعض أشكال البدع والخرافات التي كانت تمارس في المسجد، ويقول: "كان الناس يأتون يطلبون البركة وقضاء الحوائج منه. فالمرأة العاقر والرجل العقيم يأتون ويذبحون فيه القرابين. والبعض يقوم بختان أطفاله في الضريح. والبعض الآخر يقوم بحلق شعر المولود داخله".
ويستذكر أبو نجيلة أن بعض الناس كانوا يوقدون الشموع في الداخل ويتمسحون بالجدران والقبر ويطوفون حوله.
حملات توعية
ويقول أبو نجيلة: إن هذه المظاهر استمرت حتى بداية الانتفاضة الأولى، حيث أقدم عدد من الشبان المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين بعزل الضريح عن المسجد وإزالة شواهد القبر، من أجل منع الناس من القيام بهذه البدع والطقوس، ومارسوا حملات توعية للناس.
ويضيف: "مع مرور الوقت تقبّل الناس الأمر، وأصبحوا أكثر وعيًا بحرمة تلك البدع والخرافات التي كانوا يمارسونها داخل الضريح".
لكن "هذا العمل أثار غضب الملك حسين عاهل المملكة الأردنية الهاشمية الراحل، حيث حكم على الشبان الثلاثة الذين فصلوا الضريح عن المسجد بالإعدام، لكونه يعتبر أن السيد هاشم بن عبد مناف جده وأن مملكته تنسب إليه" بحسب الشيخ أبو نجيلة.
عودة البهرة
ومع قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994، طلبت منها طائفة البهرة السماح لها بتطوير الضريح وأنفقت لهذا الغرض نحو 30 ألف دولار بين عامي 1999 - 2000م. وخلال هذه الفترة كانت تأتي وفود حجيج البهرة تترى عبر رحلات سياحية تضم الرجال والنساء والأطفال وتقوم بممارسة طقوس وعبادات غريبة، منها الدوران حول القبر والتمسح بالجدران وإيقاد الشموع.
وحين اكتمل بناء الضريح أقام البهرة حفل افتتاح حضره سلطانهم الهندي وكان عمره وقتها حوالي 100 عام، ووفرت له السلطة الفلسطينية وقتها حراسة خاصة.
وأقام البهرة بهذه المناسبة حفل غداء وذبحوا خروفين على باب المسجد، ويشير أبو نجيلة إلى حادثة طريفة وقعت في الحفل حيث اختلف بعض علماء وزارة الأوقاف الفلسطينية الذين حضروا الحفل حول حرمة الأكل من لحم الخروفين.
وبعدها بفترة حضر ابن السلطان وقام بطلاء أبواب الضريح وحصل على مفاتيحه كي يقوم أبناء طائفته بدخوله وقتما يشاءون.
ويشير أبو نجيلة إلى أن البهرة يعتبرون المقام مقدسًا لديهم، بالإضافة إلى 4 مناطق أخرى في العالم هي المسجد الإبراهيمي والمسجد الأقصى والمقام الحسيني في مصر ومغارة أهل الكهف في الأردن.
بقايا ممارسات
ورغم اختفاء البدع وانتشار الوعي الديني لدى الفلسطينيين فإن أبو نجيلة يشير إلى وجود بقايا ممارسات قديمة تحصل من حين لآخر.
ويقول: "حيث حضرت قبل فترة سيدة تريد ذبح خروف في منتصف صحن المسجد وفاء لنذر نذرته، إلا أن بعض الشبان منعوها وقاموا بذبح الخروف على باب المسجد". كما يوضح أن بعض العجائز يطلبون أحيانًا زيارة الضريح ويتمسحون به.
وبحسب أبو نجيلة فإن بعض الصوفية من أهل القطاع يحضرون بين فترة وأخرى (فرادى) ويزورون الضريح.
خوارق العادات
ولا يخفى الحاج أبو سليمان العمريطي (87 عامًا) أحد رواد المسجد حزنه على إزالة شواهد الضريح وفصله عن المسجد، نهاية الثمانينيات من قبل بعض الشباب؛ معللاً ذلك بأنه "مكان مقدس وأثري".
ويقول: "السيد هاشم جد الرسول عليه الصلاة والسلام حضر إلى هنا ومن أجله سميت مدينتنا بغزة هاشم، وكان القبر موجودا لوحده قبل أن يبنى المسجد".
ويستذكر الحاج العمريطي مراحل عدة من تاريخ هذا المسجد، كونه كما قال عاصر الانتداب البريطاني، ثم الحكم المصري، ثم الاحتلال الإسرائيلي، وأخيرًا عهد السلطة الفلسطينية.
ويقول: "كان الناس يقدّسون الضريح ويحضرون الأطعمة خاصة الجريشة (طعام يصنع من القمح) ويوقدون الشمع ويطهرون (يختنون) الغلمان، ويحلقون لهم ويقيمون فيه احتفالات المولد النبوي والإسراء والمعراج".
ويستذكر أن الصوفيين كانوا يقيمون احتفالات في المسجد، ويقومون بأعمال "خارقة للعادة فيه؛ حيث كان يدخلون السيوف الحادة في أجساد بعضهم من دون أن يقتلوا".
ويشير كذلك إلى البهرة الذين يصفهم بأنهم كالرمال من كثرتهم، كانوا يحضرون بنسائهم وأطفالهم ويقومون بتقبيل الضريح والتمسح به.
غزة هاشم
ويقع مسجد السيد هاشم بحي الدرج بمدينة غزة القديمة، وهو من أجمل جوامع غزة الأثرية وأكبرها. وهو عبارة عن صحن مكشوف تحيط به 4 مظلات أكبرها مظلة القبلة وفي الغرفة التي تفتح على المظلة الغربية ضريح السيد هاشم بن عبد مناف الذي تُوفِّي في غزة أثناء رحلته التجارية "رحلة الصيف". وقد أنشئ المسجد على يد المماليك، وجدده السلطان عبد الحميد سنة 1850م = 1268هـ، وسميت مدينة غزة "بغزة هاشم" نسبة إليه.
وتقول روايات التاريخ إن السيد هاشم كان تاجرًا صدوقًا اعتاد أن يمر بمدينة غزة في رحلته للتجارة في الشام، في ذهابه وإيابه، فيقيم في خاناتها أيامًا وليالي؛ وقد مرض ذات ليلة ثم توفِّي، وعمره 25 عامًا.
ورثاه الشاعر مطرد الخزاعي بقصيدة جاء فيها:
مات (الندى) بالشام لما أن ثوى أودى بغزة هاشم لا يبعد
فجفانُه ورم لمن ينتابه والنصر أولى باللسان وباليد
وتشير المراجع التاريخية إلى أن مدرسة كانت موجودة في المسجد أنشأها المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في فلسطين من مال الوقف، وقد أصابت الجامع قنبلة أثناء الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) فخربته، لكن المجلس الإسلامي الأعلى عمَّره وأرجعه إلى أحسن مما كان عليه.
البهرة
البَهَرة ـ طائفة من الشيعة مركزها الآن "بومباي" بالهند يَقرُب عددهم من مليون ونصف المليون، والبَهَرة هي الوسط من كل شيء، أو الوسط من الطريق، وهو في الأصل اسم لقبيلة من اليمن، يقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين: "أمير الجامعة السيفية" الدعاة الفاطميون حين نزلوا على الساحل الغربي للهند "ساحل بحر العرب" سألهم أهل الهند: من أنتم؟ قالوا: جئنا للتجارة. والتجار في اللغة الهندية المحلية كانوا يُسمَّون "وهرة" وبلغة الهند الواو والباء مترادفتان سموا "البهرة" فاسمهم مشتق من اللغة الكجراتية "الجو جاراتيه" السائدة في غربي الهند.
2 ـ البهرة أصلهم فاطمي ، خرجوا من مصر والدولة الفاطمية قائمة، وعند زوالها من مصر واغتيال الخليفة العشرين "العامر بالله" سنة 1130م ادعى قبل موته التنبؤ ببداية مرحلة من الفوضى، وأن استمرار دعوته لابد أن يكون في الستر والخفاء، وقد وَرِث عنه ابنه الأوسط "الطيِّب" الإمامة وهاجر مع أتباعه إلى اليمن، وقد تَسلسل الدعاة في اليمن أربعة تقريبًا ، ثم نَقلُوا مركز الدعوة إلى الهند.
ويُحاول البهرة أن يكون طراز حياتهم فاطميًّا، فقد كانوا أولاً في المدينة إلى أيام جعفر الصادق ثم انتقلوا إلى عدة مراكز في "سلمية" بسوريا، وأرادوا أن يقيموا دولة، فأقاموها أولاً في "أبكجان" بالجزائر، ثم بَنَوا عاصمتهم "المهدية" في تونس، واختاروا "المنصورية" عاصمة لهم، ثم القاهرة، وقد تم ذلك في عهد أربعة أئمة: المهدي بالله ، القائم بأمر الله، المنصور بالله، ثم المعز لدين الله الذي نقل العاصمة إلى القاهرة.
بعد المعز لدين الله، جاء العزيز بالله، والحاكم، والظاهر، والمستنصر، والمستعلي، والآمر بأحكام الله، والأخير هو الإمام العشرون في عداد الأئمة الفاطميين بعد علي بن أبي طالب، وابنه "الطيِّب" هو الحادي والعشرون، والإمام الآمر هو الذي أمر بحمل ابنه الإمام وإبعاده عن القاهرة إلى بقعة أَخفَوها عن الناس، ثم أقاموا لهم في اليمن نائبًا، فالفاطميون يعتقدون أن الأئمة من نسل الإمام الطيِّب، وأن النواب والدعاة تسلسلوا من نسله إلى وقتنا هذا، فوجود الداعي يدل على وجود الإمام. وسوف يأتي يوم يَظهَر فيه الإمام. يقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين: نحن نختلف مع الاثني عشرية، فالذي اختفى عندهم هو الإمام الثاني عشر والذي سيظهر بشخصه يومًا ما، أما نحن فنقول: إن الذي اختفى هو "الطيب" وحين انتهى عمره الطبيعي خلفه ابنه إمامًا، وهكذا فنحن لا نعتقد أن الإمام يعيش فوق عمره الطبيعي.
وسلاطين البهرة هم النواب، ورتبهم الدينية هي رتبة الداعي المطلق، واشتُهروا بالسلاطين في اليمن والهند، وهم دون الأئمة رتبة.
ويدعون لهم ولا يدعون لأنفسهم، والعصمة للإمام ومن ينوب عنه من الدعاة حتى لا يخرج عن المذهب.
3 ـ جاء في الحديث عنهم: أن العامر بالله المتوفى سنة 1130م عيَّن قبل وفاته مجلسًا للوصاية من بعض الدعاة على ورثته وهو ابنه "الطيِّب" كما عيَّن أخاه "عبد الماجد" لرعاية شئون الجماعية الدنيوية نيابة عن الطيب، ولكن بعد موت "العامر" اغتصب عبد الماجد الإمامة من ابن أخيه بمساعدة قائد الجيش، فلما شَعَر أعضاء المجلس بتعرض "الطيب" للخطر أخفوه عن الأنظار، ولم يُعرَف عنه شيء بعد ذلك، واعتبروا هذا بداية عهد الستر، وقد نَشِطت الدعوة في اليمن منذ أواخر القرن الحادي عشر حيث كانت مقرًّا لداعيهم، وانتشرت عن طريق التجارة في شرقي أفريقيا وغربي الهند، وهم مشهورون بمزاولة التجارة والثراء العظيم، ولابد أن يدفع كل بالغ مبلغًا من المال للجماعتين على دفعتين في العام، يتناسب مع ثروته وأهمية المناسبة. وغالبًا ما يكون من 5 ـ 1 شلنًا. يذهب جزء من المبالغ إلى خزينة السلطان، ويحتفظ مندوبوه المعروفون بالعمّال في الأقاليم بالباقي، ويَحصل كل منهم على مرتب ثابت ومقر لإقامته بالمجان، فضلاً عن مكافأة من خزينة المجلس للطائفة، ولهذا يَطمع الكثيرون في هذه المناصب.
4 ـ أركان الإسلام عندهم سبعة: الصلاة، والزكاة، والصيام ، والحج ، والولاية، والطهارة، وتتضمن تحريم الدخان والموسيقى والأفلام، ويقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين، قولنا بالطهارة احتياط، لأننا في وسط بيئة غير مسلمة ـ بالهند ـ وهم في صلواتهم يجمعون بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، ولا يصلون الجمعة، بل يصلونها ظهرًا، ويصلون العيد بدون خطبة أربع ركعات، ويقدسون مأساة كربلاء لمدة عشرة أيام، ويحتفلون بيوم "غدير خم" في يوم 18 من ذي الحجة حيث تمت الوصية للإمام علي، يصومون فيه ويُجدِّدون العهد للداعي المطلق في بومباي أو الدعاة المبايعين وهم نوابه في الأقاليم. وأتباع الداعي يُطيعونه طاعة عمياء، وهناك عهد قديم بالولاء للإمام الطيب والإمام المنتظر. والداعي المطلق عندهم معصوم في لك تصرفاته.
5 ـ زعيمهم الراحل هو الدكتور: ملا صاحب أبو محمد طاهر سيف الدين، كان شاعرًا ورأس جامعة "عليكره" واهتم بالعلوم الدينية وإحياء التراث الفاطمي، وهو الداعية رقم 51 في سلسلة الدعاة الفاطميين، وتولى هذه الدعوة من 1915 ـ 1965 م وطوَّر الدراسة في الجامعة "السيفية" في مدينة "سورت" وهي حصن الثقافة والعربية، وكان يلُقي محاضرات باللغة العربية في رمضان وتطبع بعنوان " الرسالة الرمضانية" والزعيم الحالي هو الدكتور محمد برهان الدين الداعية رقم 52. وقد أقاموا للداعية الراحل مسجدًا وضريحًا في قلب الحي التجاري في بومباي في منطقة : "بهاندي بازار" واحتفلوا بافتتاحه يوم السبت 8 من ربيع الآخر سنة 1395 هـ (9/4/1975م) في شارع إبراهيم رحمة الله. ودُعِيَ إليه علماء كثيرون، منهم الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر، والشيخ محمد خاطر مفتي مصر، ومعهما الشيخان محمود خليل الحصري وعبد الباسط محمد عبد الصمد لقراءة القرآن، والشيخ محمد الطوخي للأناشيد.
ويوجد في مكتبة السلطان ومكتبة الجامعة السيفية مخطوطات فاطمية نُقِلت بعد ضعف الدولة الفاطمية من مصر إلى اليمن ثم الهند، وحافظوا عليها حتى منعوا تداولها، ثم أباح السلطان أو الزعيم الراحل نشْر بعضها.
والضريح مبني على الطراز الفاطمي حيث حضر إلى مصر مهندس منهم اسمه "يحيى مرتد" وصور عدة مساجد من ذلك العهد، والمسجد يُسمَّى "روضة طاهرة" مساحته ثلاثة آلاف متر مربع، عرض كل جدار إحدى وخمسون قدمًا، رمزًا لرقم الداعية المتوفى، والارتفاع ثمانون قدمًا، رمزًا لعمره، وغطيت جدرانه بالمرمر المضاهى لمرمر "تاج محل" من منطقة"راجستان" بالهند، ومن مميزاته أنه يظل باردًا على الرغم من حرارة الجو ونقش القرآن كله على ألواح مرمرية عددها 772 ك للوح 3 × 2 من الأقدام ، ورصعت البسملات بخمسة أنواع من الجواهر: الياقوت، المرجان، الدر الزمرد، الماس. وسورة الإخلاص كلها مرصعة بالياقوت الأحمر، واستغرق البناء ثماني سنوات منها أربع لحفر القرآن وطلائه (سنتان للحفر وسنتان للنقش والطلاء والترصيع).
المراجع:
1 ـ استطلاع مجلة العربي عدد سبتمبر 1975م بقلم محمد حسني زكي.
2 ـ الأهرام 2/5/1975 بقلم الدكتور ياسين مراد.
3 ـ مجلة المصور 20/1/1978 تحقيق أحمد أبو كف.
صورة رقم 1
صورة رقم 2
صورة رقم 3
صورة رقم 4
صورة رقم 5
صورة رقم 6
صورة رقم 7
صورة رقم 8
صورة رقم 9
صورة رقم 10
0 التعليقات:
إرسال تعليق