عندما تُذكر برلين يُذكر معها الجدار الفاصل والاضطرابات السياسية التي شهدتها المدينة التي عانت الأمرين من الحروب والفصل والتدمير والقتل ، و لكن هذا الآن جزء من الماضي ؛ فبرلين اليوم مدرسة تلقن العالم درسا في تحويل المآسي والذكريات البشعة إلى حب لا يعرف الحدود للحياة ، و مدينة تتقن لعبة إرضاء الزوار مهما كانت اهتماماتهم.
برلين مدينة المآسي
في الثالث عشر من أغسطس عام 1961قررت الجمهورية الألمانية الديموقراطية تشييد سور ليلتف حول المدينة لمنع المقيمين في المناطق التابعة لها من الانتقال إلى المناطق الألمانية الأخرى، وذلك التاريخ قلب حياة سكان برلين رأسا على عقب وأصبح من المستحيل على المقيمين في برلين الشرقية زيارة أقربائهم وعائلاتهم وأصدقائهم في القسم الغربي من المدينة.
ويقول المسؤول في المكتب السياحي في برلين، كريستيان تانزلر لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يكن يتوقع أبدا أن يشهد سقوط جدار برلين الفاصل، ويتذكر يوم سقوط الجدار المفاجئ ليلة التاسع من نوفمبر عام 1989، ويقول إن الخبر كان فرحة لا توصف، فهذا الجدار أدى إلى تشتيت أوصال العائلات، وتمزيقها، الوضع في برلين كان مأساة حقيقية، والحروب في تلك المدينة الممزقة كانت مسلسلا طويلا، ضحيته الشعب والمدنيون الأبرياء.
ويروي تانزلر كيف كان الوضع في برلين قبل هدم الجدار، فسكان القسم الشرقي من المدينة كانوا معزولين كليا عن سكان القسم الغربي، ولم يكن يسمح لأي كان التنقل بين المنطقتين مهما كانت الأسباب، ودفع كثيرون ثمن محاولتهم رؤية ذويهم في القسم الآخر من المدينة حياتهم، بحيث كان يتخيل البعض بأن الجدار هو مجرد كومة حجارة منخفضة الارتفاع ليتفاجأوا بمساحة فاصلة بين جدار وآخر، وبدلا من لقائهم ذويهم كانوا يلاقون حتفهم على يد قناصة وكلاب يتم نشرها فيما يسمى «زواريب الموت».
برلين المدينة الحرة
برلين اليوم، مدينة نابضة بالحياة، يصفها من زارها بالمدينة الحرة التي لا تنام، ويمكن وصفها بعدة صفات، فهي مدينة جميلة من حيث الهندسة المعمارية الحديثة، ومدينة ثقافية من الطراز الأول تزخر بعدد لا يحصى ولا يعد من المتاحف والمعارض الفنية ومدينة السهر ومدينة الأكل والمطاعم وعلى رأس كل هذا إنها مدينة أشبه بمتحف حربي في الهواء الطلق، فكل زاوية منها تحكي قصة، وكل ركن فيها تحول إلى معلم سياحي.
برلين مدينة خضراء شاسعة المساحة، تتميز بوجود حدائق أشهرها «التيغيل»، تقع إلى الشرق من ألمانيا في وسط أوروبا على بعد نحو 70 كيلو متر غربي الحدود مع بولندا. يوجد فيها 25 فندقاً من فئة 5 نجوم وعدد كبير من المطاعم الحاصلة على نجوم ميشلين للتميز، تشتهر أيضا بالسياحة العلاجية نسبة لتوفر المراكز الطبية المتقدمة فيها، من أكثر الجنسيات التي تأتي لزيارتها، الروسية والألمانية والفرنسية، ولا تزال برلين مدينة شبه مجهولة بالنسبة للعرب الذين تعودوا على زيارة مدينة ميونيخ، إلا أن برلين هي بالفعل جوهرة مخفية.
برلين: جولات برية وبحرية ونهرية!
في برلين يمكنك أن تلمس الحرية واستنشاقها، فيكفي أن تقوم برحلة سيراً على الأقدام للتعرف عن قريب على تاريخ المدينة الحافل، برلين تختلف عن غيرها من عواصم العالم كونها تتمتع بثلاثة أوساط تجارية بدلاً من واحد وهذا السبب يعود إلى التقسيم الذي عانت منه. فعندما تسأل أحدا من سكان برلين عن موقع الوسط التجاري الرئيسي يكون الجواب: «لدينا ثلاثة»، ولكن الجميل هو أن المعالم السياحية الأهم في المدينة قريبة من بعضها البعض ويمكن الوصول إليها عن طريق المشي.
وهناك طريقة أخرى لاكتشاف المدينة أنصحكم بعدم تفويتها على أنفسكم وهي الرحلة على الدراجة الهوائية المزودة بسبعة مقاعد وتعرف باسم «كونفرينس بايك»، ويمكن تأجيرها من أي مكان في المدينة لا سيما في المنطقة القريبة من محطة «بوتسدامر بلاتز» ومحيط بوابة «براندنبورغ» الشهيرة، الرحلة على الدراجة الهوائية تتطلب منك بعض المجهود البدني ولكنها متعة حقيقية، فخلال الرحلة التي يمكنك تحديد مدتها الزمنية يقوم السائق بتعريفك بمعالم المدينة والجميل أيضا هو تمكنك من التوقف أمام المعالم التي تود التقاط الصور أمامها. ثمن الرحلة يبلغ نحو 24 يورو لمدة نصف ساعة وتوجد في المدينة 5 دراجات هوائية مماثلة.
و إذا كنت تفضل الجلوس وعدم تحريك ساكن والتمتع بعالم المدينة بهدوء يمكنك الالتحاق بالرحلات على متن حافلات بطابقين مكشوفة يمكنك من خلالها أيضا التمتع بما تزخر به المدينة ومن أهم ما تركز عليه الرحلات السياحية في برلين، زيارة مبنى البرلمان الألماني (البوندستاج) وتوجد به قبة زجاجية عملاقة يسمح للزوار بالصعود إليها ومشاهدة المدينة من أعلاها، ولكن يتعين عليك الانتظار لنحو الساعة في طابور طويل لتتمكن من الدخول. كما يمكنك التقاط أجمل الصور أمام بوابة «براندنبورغ» التاريخية وأمامها فندق «أدلون» الذي يعتبر من أهم وأعرق فنادق المدينة، وهو بمثابة معلم سياحي كونه يستضيف الرؤساء والشخصيات الرفيعة والأمراء والملوك والملكات. ولا بد من المشي داخل حديقة «تيغيل» الخضراء، وفيها ترى النحاتين والفنانين الذين يأتون من كل بقاع العالم ليطلقوا العنان لمخيلتهم الفنية وإبداعاتهم.
ويمكن التعرف على معالم وهندسة برلين الحديثة من خلال القوارب التي تمخر نهر «شبراي» الذي يخترق المدينة في وسطها التاريخي وفي غربها ويصب في نهر الهافل الذي يشكل بحيرة تيغيل وبحيرة ألفان الكبيرة، ومن الممكن بأن تتناول العشاء على متن أحد القوارب، وباستطاعتك أن تركبه من محطة «فريدريكشترابيه»، وتمتد الرحلة على مدى 4 ساعات تشاهد خلالها أجمل المناظر الطبيعية وأجمل الأبنية وأحلى المحطات.
وإذا أردت التعرف إلى برلين من الجو، اختر يوما تكون فيه السماء صافية وتوجه إلى «فيلت بالون» وهو أكبر منطاد في العالم، وأصبح معلما من معالم برلين السياحية، ومن خلال سلة عملاقة وفي أجواء ساكنة ترتفع على علو 150 مترا فوق المدينة لتشاهد أجمل المناظر.
و بعدها يمكنك التوجه إلى منطقة «هاكيشر ماركت» القريبة من «أليكساندر بلاتز» ومنطقة «ميتي»، فعبر قناطر قديمة تدخل إلى عالم رائع، ففي الماضي كانت تقع في هذه الأحياء الصغيرة مصانع خياطة «معاطف برلين» الشهيرة، التي اشتهر بتصنيعها اليهود، ويشير المرشد السياحي إلى الأبنية ذات الواجهات الضخمة والنوافذ الكبيرة، ويقول إن الأبنية التي تتمتع بشبابيك كبيرة كانت مصانع لحاجة المهنة إلى الضوء والنور والأبنية التي تتمتع بشبابيك صغيرة كانت مخصصة للسكن، أما اليوم فأصبحت هذه المنطقة موطنا للفنانين والفن والحديث وتنتشر فيها المقاهي الجميلة والمحلات الصغيرة والبوتيكات المميزة.
برلين: مدينة المتاحف
ومن هناك وعلى بعد نحو 10 دقائق على الأقدام يمكنك الوصول إلى «جزيرة المتاحف» الواقعة في قلب برلين وهي تعد كنزا حقيقيا، ومن أهم معالم السياحة التي تجذب ملايين السياح. وتضم خمسة متاحف ذات شهرة عالمية وتمثل أكبر تجمع للمتاحف في أوروبا وتم إدراج المنطقة على قائمة التراث العالمي لليونيسكو منذ عام 1999 ومن أهم المتاحف متحف برلين الجديد الذي يعرض فيه تمثال نفرتيتي الذي أثار جدلاً كبيراً منذ فترة، بسبب مطالبة مصر بنقله إليها. وتنتشر المتاحف والمعارض الفنية خارج الجزيرة أيضاً .
ومن الزيارات المهمة في المدينة أيضا، زيارة نصب الهولوكوست التذكاري القريب في «بوتسدامر بلاتز» الواقع مقابل السفارة الأميركية، وهو يرمز إلى سقوط عدد كبير من يهود أوروبا، وعلى الرغم من رمز المعلم، فإنه لا يصور الهولوكوست بطريقة دينية بحيث قام المهندس بيتر إيزنمان بتصميم 2711 قطعة مختلفة الشكل والحجم من الإسمنت تم صفها على شكل خطوط متوازية على أرضية ملتوية، وعدد القطع الإسمنتية العملاقة لا يرمز إلى أي شيء.
و للغوص في تاريخ برلين المعقد لا بد من القيام بجولة في عالم «أنترفيلتين» القاتم، وخلال هذه الزيارة تتعرف بالصورة واللمس على مخابئ الألمان إبان الحرب العالمية الثانية ويعتبر ملجأ «أنترفيلتين» من أشهر الملاجئ، ولا يزال على شكله الأساسي، فهو بني في الأساس ليكون محطة لمترو الأنفاق، ومع بدء الحرب العالمية الثانية استعمله الألمان لتفادي الصواريخ والهجمات وترى فيه كيف كان مقسما إلى غرف للنساء والأطفال وأخرى للرجال وترى أيضا غرفاً مخصصة للطبابة وترى أيضا الأسرة التي لا تزال على حالها وغرف تنشق الهواء، إضافة إلى عدد من القطع التي وجدت بجانب الجنود الذين سقطوا في الحرب وقطع أخرى تم اكتشافها حديثا، فمن المعروف عن برلين أن أراضيها مزروعة بالقذائف غير المتفجرة ولا يزال يرقد تحتها عدد من جثث الذين سقطوا خلال الحرب، وتعاني برلين من حدوث انفجارات في بعض الأحيان أثناء الحفر في الأرض بغرض البناء.
ولا بد من التوجه إلى نقطة تفتيش «تشارلي» Check point Charlie واحرص على أخذ جواز سفرك، لأنه سيكون بانتظارك جنودا مزيفين يقومون بختم الجواز، لتكون ذكرى زيارتك نقطة العبور الأشهر في المدينة خلال الحرب العالمية الثانية، ولا تنس أن تلتقط الصور مع الجنود بكاميرتك إلا أنه يتعين عليك دفع يورو واحد لكل صورة. وللغوص في تفاصيل تاريخ نقطة التفتيش هذه توجه إلى متحف «تشيك بوينت تشارلي».
و إذا أردت التعرف إلى تاريخ برلين إبان الحرب الباردة يمكنك التوجه إلى متحف «قصة برلين» أو «The Story Of Berlin»، الذي تجد فيه الأسرة التي كانت تتسع لـ3600 مواطن فقط، وفي هذا الملجأ تقوم بجولة على أركانه المؤلفة من صالات للنوم وأخرى للمعيشة والطهي وأخرى لأخذ الاحتياطات من الغزو النووي. ويقع هذا الملجأ في شارع «كودام» ويستعمل حاليا قسم منه كمرآب للسيارات.
التسوق في برلين
للتسوق في برلين أكثر من عنوان، ولكن العنوان الأهم هو مركز «كا دي في» Ka De WE الذي يعتبر الأكبر في برلين ويشتهر بصالة الطعام الفاخرة الواقعة في الطابق السادس، ويضم كل الماركات العالمية الشهيرة إضافة إلى عدد كبير من المطاعم بمختلف المطابخ العالمية.
وحتى في وقت التسوق، سوف تجد نفسك تستنشق التاريخ في برلين، ففي شارع «كودام» تجد كنيسة الذكرى التي تعرضت للقصف في الحرب العالمية الثانية ودمرت بشكل شبه كامل وتم بناء كنيسة أخرى حديثة بالقرب منها وبقي ما تبقى من الكنيسة القديمة للذكرى فقط، وفي شارع كودام تنتشر المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم، ولا بد من تذوق القهوة في مقهى «كايزلر» الأشهر، وتجد بالقرب من شارع «كودام» أيضا حديقة الحيوان.
ويعتبر شارع «فريدريشتراسيه» من عناوين التسوق أيضا إضافة إلى حي «ميتي» Mitte الذي يعتبر من الأحياء الشهيرة في وسط برلين وتنتشر فيه مراكز التسوق ودور الأزياء، لا سيما في منطقة هاكيشي ماركت.
وتعتبر ساحة «بوتسدامر» من أكثر الأماكن حيوية في المدينة، فهي تعج بالحركة ليلا ونهارا، وهي حديثة البناء، تتميز أبنيتها التي صممها مهندس معماري إيطالي باللون القرميدي، وتم بناء هذا القسم من المدينة في عام 1995 بعد سقوط جدار برلين، وتجد فيه محطة «بوتسدامر بلاتز» التي تربط المدينة بشبكة قطارات منظمة، وتجد في المنطقة مركز «أركايد» التجاري الذي يضم 3 طبقات تحتوي على عدد كبير من أشهر الماركات العالمية، وفي محيط هذه المنطقة تجد المقاهي حيث يمكنك الجلوس في الهواء الطلق.
أين تأكل في برلين؟
سوف تقف حائرا أمام وفرة الأماكن الجيدة لتناول الطعام في برلين ولكن ينصح دائما بالتوجه إلى الأماكن التي يأكل فيها أهالي المدينة مثل مطعم «فيشر فريتز» Fische Fritz التابع لفندق «ذا ريجنت» وهو حائز على نجمتي ميشلين للتميز.
مطعم «فاسيل» Facil التابع لفندق «ذا ماندالا» يعتبر أيضا من أهم مطاعم المدينة وهو حائز على نجمة ميشلين.
مطعم «ميدتاون غريل» Midtown Grill التابع لفندق «ماريوت» يقدم ألذ المشاوي واللحوم.
مطعم «ثيودور توكر» Theodor Tucher القريب من بوابة «براندنبورغ» يقدم ألذ المأكولات المحلية والأسماك في أجواء رائعة.
مطعم «رينهاردز» في «كيمبينسكي ذا بريستول» Kempinski The Bristol و فيه ستقف حائرا أمام خيارات الأكل.
أين تقيم في برلين؟
في برلين عدد كبير من الفنادق الجيدة ومن أفضل الفنادق التي تتمتع بمواقع جغرافية سياحية وخدمات عالية الجودة:
فندق «ذا ريجنت» TheRegent : الواقع في شارع «شارلوتينشترابيه»، و هو فندق راق جدا يتمتع بمركز صحي ومطاعم فاخرة وحديقة مخصصة لتناول الشاي والمأكولات، موقعه مناسب للتسوق قريب من محلات عالمية مثل «غاليري لا فاييت» وغيرها من دور الأزياء العالمية الشهيرة.
فندق «ذا ماندالا» The Mandala : الواقع تجاه مركز «سوني» وعالم الليغو للصغار Lego Land .
فندق «كيمبينسكي» Kempinki The Bristol : القريب من شارع كودام للتسوق وهو الفندق الأقدم في المدينة وفيه أول بركة سباحة في برلين .
فندق «غراند حياة برلين» Grand Hyatt Berlin :ويقع في بوتسدامر بلاتز ويضم بركة سباحة مطلة على معالم المدينة، إضافة إلى مركز صحي كبير .
وفي النهاية وبعد زيارة العاصمة الألمانية برلين سوف تدرك أن الحرب علمت أهالي المدينة درساً في الحياة، فأهالي المدينة بشطريها الشرقي والغربي يعشقون الحياة ويعرفون كيف يعيشون كل لحظة، ولو أن شبح الجدار لا يزال موجودا بينهم، ففي كل لحظة يتم ذكر الجدار لأنه لا تزال عدة أجزاء منه موجودة في طرقات المدينة وفي أحيان أخرى ترى أثراً له على الأرض، ولا ينتهي الأمر هنا بل تباع في محلات القطع التذكارية، أجزاء صغيرة من الجدار تبدأ أسعارها من 5 يوروات.
روابط لمواقع مفيدة
عندما تُذكر برلين يُذكر معها الجدار الفاصل والاضطرابات السياسية التي شهدتها المدينة التي عانت الأمرين من الحروب والفصل والتدمير والقتل ، و لكن هذا الآن جزء من الماضي ؛ فبرلين اليوم مدرسة تلقن العالم درسا في تحويل المآسي والذكريات البشعة إلى حب لا يعرف الحدود للحياة ، و مدينة تتقن لعبة إرضاء الزوار مهما كانت اهتماماتهم.
برلين مدينة المآسي
في الثالث عشر من أغسطس عام 1961قررت الجمهورية الألمانية الديموقراطية تشييد سور ليلتف حول المدينة لمنع المقيمين في المناطق التابعة لها من الانتقال إلى المناطق الألمانية الأخرى، وذلك التاريخ قلب حياة سكان برلين رأسا على عقب وأصبح من المستحيل على المقيمين في برلين الشرقية زيارة أقربائهم وعائلاتهم وأصدقائهم في القسم الغربي من المدينة.
ويقول المسؤول في المكتب السياحي في برلين، كريستيان تانزلر لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يكن يتوقع أبدا أن يشهد سقوط جدار برلين الفاصل، ويتذكر يوم سقوط الجدار المفاجئ ليلة التاسع من نوفمبر عام 1989، ويقول إن الخبر كان فرحة لا توصف، فهذا الجدار أدى إلى تشتيت أوصال العائلات، وتمزيقها، الوضع في برلين كان مأساة حقيقية، والحروب في تلك المدينة الممزقة كانت مسلسلا طويلا، ضحيته الشعب والمدنيون الأبرياء.
ويروي تانزلر كيف كان الوضع في برلين قبل هدم الجدار، فسكان القسم الشرقي من المدينة كانوا معزولين كليا عن سكان القسم الغربي، ولم يكن يسمح لأي كان التنقل بين المنطقتين مهما كانت الأسباب، ودفع كثيرون ثمن محاولتهم رؤية ذويهم في القسم الآخر من المدينة حياتهم، بحيث كان يتخيل البعض بأن الجدار هو مجرد كومة حجارة منخفضة الارتفاع ليتفاجأوا بمساحة فاصلة بين جدار وآخر، وبدلا من لقائهم ذويهم كانوا يلاقون حتفهم على يد قناصة وكلاب يتم نشرها فيما يسمى «زواريب الموت».
برلين المدينة الحرة
برلين اليوم، مدينة نابضة بالحياة، يصفها من زارها بالمدينة الحرة التي لا تنام، ويمكن وصفها بعدة صفات، فهي مدينة جميلة من حيث الهندسة المعمارية الحديثة، ومدينة ثقافية من الطراز الأول تزخر بعدد لا يحصى ولا يعد من المتاحف والمعارض الفنية ومدينة السهر ومدينة الأكل والمطاعم وعلى رأس كل هذا إنها مدينة أشبه بمتحف حربي في الهواء الطلق، فكل زاوية منها تحكي قصة، وكل ركن فيها تحول إلى معلم سياحي.
برلين مدينة خضراء شاسعة المساحة، تتميز بوجود حدائق أشهرها «التيغيل»، تقع إلى الشرق من ألمانيا في وسط أوروبا على بعد نحو 70 كيلو متر غربي الحدود مع بولندا. يوجد فيها 25 فندقاً من فئة 5 نجوم وعدد كبير من المطاعم الحاصلة على نجوم ميشلين للتميز، تشتهر أيضا بالسياحة العلاجية نسبة لتوفر المراكز الطبية المتقدمة فيها، من أكثر الجنسيات التي تأتي لزيارتها، الروسية والألمانية والفرنسية، ولا تزال برلين مدينة شبه مجهولة بالنسبة للعرب الذين تعودوا على زيارة مدينة ميونيخ، إلا أن برلين هي بالفعل جوهرة مخفية.
برلين: جولات برية وبحرية ونهرية!
في برلين يمكنك أن تلمس الحرية واستنشاقها، فيكفي أن تقوم برحلة سيراً على الأقدام للتعرف عن قريب على تاريخ المدينة الحافل، برلين تختلف عن غيرها من عواصم العالم كونها تتمتع بثلاثة أوساط تجارية بدلاً من واحد وهذا السبب يعود إلى التقسيم الذي عانت منه. فعندما تسأل أحدا من سكان برلين عن موقع الوسط التجاري الرئيسي يكون الجواب: «لدينا ثلاثة»، ولكن الجميل هو أن المعالم السياحية الأهم في المدينة قريبة من بعضها البعض ويمكن الوصول إليها عن طريق المشي.
وهناك طريقة أخرى لاكتشاف المدينة أنصحكم بعدم تفويتها على أنفسكم وهي الرحلة على الدراجة الهوائية المزودة بسبعة مقاعد وتعرف باسم «كونفرينس بايك»، ويمكن تأجيرها من أي مكان في المدينة لا سيما في المنطقة القريبة من محطة «بوتسدامر بلاتز» ومحيط بوابة «براندنبورغ» الشهيرة، الرحلة على الدراجة الهوائية تتطلب منك بعض المجهود البدني ولكنها متعة حقيقية، فخلال الرحلة التي يمكنك تحديد مدتها الزمنية يقوم السائق بتعريفك بمعالم المدينة والجميل أيضا هو تمكنك من التوقف أمام المعالم التي تود التقاط الصور أمامها. ثمن الرحلة يبلغ نحو 24 يورو لمدة نصف ساعة وتوجد في المدينة 5 دراجات هوائية مماثلة.
و إذا كنت تفضل الجلوس وعدم تحريك ساكن والتمتع بعالم المدينة بهدوء يمكنك الالتحاق بالرحلات على متن حافلات بطابقين مكشوفة يمكنك من خلالها أيضا التمتع بما تزخر به المدينة ومن أهم ما تركز عليه الرحلات السياحية في برلين، زيارة مبنى البرلمان الألماني (البوندستاج) وتوجد به قبة زجاجية عملاقة يسمح للزوار بالصعود إليها ومشاهدة المدينة من أعلاها، ولكن يتعين عليك الانتظار لنحو الساعة في طابور طويل لتتمكن من الدخول. كما يمكنك التقاط أجمل الصور أمام بوابة «براندنبورغ» التاريخية وأمامها فندق «أدلون» الذي يعتبر من أهم وأعرق فنادق المدينة، وهو بمثابة معلم سياحي كونه يستضيف الرؤساء والشخصيات الرفيعة والأمراء والملوك والملكات. ولا بد من المشي داخل حديقة «تيغيل» الخضراء، وفيها ترى النحاتين والفنانين الذين يأتون من كل بقاع العالم ليطلقوا العنان لمخيلتهم الفنية وإبداعاتهم.
ويمكن التعرف على معالم وهندسة برلين الحديثة من خلال القوارب التي تمخر نهر «شبراي» الذي يخترق المدينة في وسطها التاريخي وفي غربها ويصب في نهر الهافل الذي يشكل بحيرة تيغيل وبحيرة ألفان الكبيرة، ومن الممكن بأن تتناول العشاء على متن أحد القوارب، وباستطاعتك أن تركبه من محطة «فريدريكشترابيه»، وتمتد الرحلة على مدى 4 ساعات تشاهد خلالها أجمل المناظر الطبيعية وأجمل الأبنية وأحلى المحطات.
وإذا أردت التعرف إلى برلين من الجو، اختر يوما تكون فيه السماء صافية وتوجه إلى «فيلت بالون» وهو أكبر منطاد في العالم، وأصبح معلما من معالم برلين السياحية، ومن خلال سلة عملاقة وفي أجواء ساكنة ترتفع على علو 150 مترا فوق المدينة لتشاهد أجمل المناظر.
و بعدها يمكنك التوجه إلى منطقة «هاكيشر ماركت» القريبة من «أليكساندر بلاتز» ومنطقة «ميتي»، فعبر قناطر قديمة تدخل إلى عالم رائع، ففي الماضي كانت تقع في هذه الأحياء الصغيرة مصانع خياطة «معاطف برلين» الشهيرة، التي اشتهر بتصنيعها اليهود، ويشير المرشد السياحي إلى الأبنية ذات الواجهات الضخمة والنوافذ الكبيرة، ويقول إن الأبنية التي تتمتع بشبابيك كبيرة كانت مصانع لحاجة المهنة إلى الضوء والنور والأبنية التي تتمتع بشبابيك صغيرة كانت مخصصة للسكن، أما اليوم فأصبحت هذه المنطقة موطنا للفنانين والفن والحديث وتنتشر فيها المقاهي الجميلة والمحلات الصغيرة والبوتيكات المميزة.
برلين: مدينة المتاحف
ومن هناك وعلى بعد نحو 10 دقائق على الأقدام يمكنك الوصول إلى «جزيرة المتاحف» الواقعة في قلب برلين وهي تعد كنزا حقيقيا، ومن أهم معالم السياحة التي تجذب ملايين السياح. وتضم خمسة متاحف ذات شهرة عالمية وتمثل أكبر تجمع للمتاحف في أوروبا وتم إدراج المنطقة على قائمة التراث العالمي لليونيسكو منذ عام 1999 ومن أهم المتاحف متحف برلين الجديد الذي يعرض فيه تمثال نفرتيتي الذي أثار جدلاً كبيراً منذ فترة، بسبب مطالبة مصر بنقله إليها. وتنتشر المتاحف والمعارض الفنية خارج الجزيرة أيضاً .
ومن الزيارات المهمة في المدينة أيضا، زيارة نصب الهولوكوست التذكاري القريب في «بوتسدامر بلاتز» الواقع مقابل السفارة الأميركية، وهو يرمز إلى سقوط عدد كبير من يهود أوروبا، وعلى الرغم من رمز المعلم، فإنه لا يصور الهولوكوست بطريقة دينية بحيث قام المهندس بيتر إيزنمان بتصميم 2711 قطعة مختلفة الشكل والحجم من الإسمنت تم صفها على شكل خطوط متوازية على أرضية ملتوية، وعدد القطع الإسمنتية العملاقة لا يرمز إلى أي شيء.
و للغوص في تاريخ برلين المعقد لا بد من القيام بجولة في عالم «أنترفيلتين» القاتم، وخلال هذه الزيارة تتعرف بالصورة واللمس على مخابئ الألمان إبان الحرب العالمية الثانية ويعتبر ملجأ «أنترفيلتين» من أشهر الملاجئ، ولا يزال على شكله الأساسي، فهو بني في الأساس ليكون محطة لمترو الأنفاق، ومع بدء الحرب العالمية الثانية استعمله الألمان لتفادي الصواريخ والهجمات وترى فيه كيف كان مقسما إلى غرف للنساء والأطفال وأخرى للرجال وترى أيضا غرفاً مخصصة للطبابة وترى أيضا الأسرة التي لا تزال على حالها وغرف تنشق الهواء، إضافة إلى عدد من القطع التي وجدت بجانب الجنود الذين سقطوا في الحرب وقطع أخرى تم اكتشافها حديثا، فمن المعروف عن برلين أن أراضيها مزروعة بالقذائف غير المتفجرة ولا يزال يرقد تحتها عدد من جثث الذين سقطوا خلال الحرب، وتعاني برلين من حدوث انفجارات في بعض الأحيان أثناء الحفر في الأرض بغرض البناء.
ولا بد من التوجه إلى نقطة تفتيش «تشارلي» Check point Charlie واحرص على أخذ جواز سفرك، لأنه سيكون بانتظارك جنودا مزيفين يقومون بختم الجواز، لتكون ذكرى زيارتك نقطة العبور الأشهر في المدينة خلال الحرب العالمية الثانية، ولا تنس أن تلتقط الصور مع الجنود بكاميرتك إلا أنه يتعين عليك دفع يورو واحد لكل صورة. وللغوص في تفاصيل تاريخ نقطة التفتيش هذه توجه إلى متحف «تشيك بوينت تشارلي».
و إذا أردت التعرف إلى تاريخ برلين إبان الحرب الباردة يمكنك التوجه إلى متحف «قصة برلين» أو «The Story Of Berlin»، الذي تجد فيه الأسرة التي كانت تتسع لـ3600 مواطن فقط، وفي هذا الملجأ تقوم بجولة على أركانه المؤلفة من صالات للنوم وأخرى للمعيشة والطهي وأخرى لأخذ الاحتياطات من الغزو النووي. ويقع هذا الملجأ في شارع «كودام» ويستعمل حاليا قسم منه كمرآب للسيارات.
التسوق في برلين
للتسوق في برلين أكثر من عنوان، ولكن العنوان الأهم هو مركز «كا دي في» Ka De WE الذي يعتبر الأكبر في برلين ويشتهر بصالة الطعام الفاخرة الواقعة في الطابق السادس، ويضم كل الماركات العالمية الشهيرة إضافة إلى عدد كبير من المطاعم بمختلف المطابخ العالمية.
وحتى في وقت التسوق، سوف تجد نفسك تستنشق التاريخ في برلين، ففي شارع «كودام» تجد كنيسة الذكرى التي تعرضت للقصف في الحرب العالمية الثانية ودمرت بشكل شبه كامل وتم بناء كنيسة أخرى حديثة بالقرب منها وبقي ما تبقى من الكنيسة القديمة للذكرى فقط، وفي شارع كودام تنتشر المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم، ولا بد من تذوق القهوة في مقهى «كايزلر» الأشهر، وتجد بالقرب من شارع «كودام» أيضا حديقة الحيوان.
ويعتبر شارع «فريدريشتراسيه» من عناوين التسوق أيضا إضافة إلى حي «ميتي» Mitte الذي يعتبر من الأحياء الشهيرة في وسط برلين وتنتشر فيه مراكز التسوق ودور الأزياء، لا سيما في منطقة هاكيشي ماركت.
وتعتبر ساحة «بوتسدامر» من أكثر الأماكن حيوية في المدينة، فهي تعج بالحركة ليلا ونهارا، وهي حديثة البناء، تتميز أبنيتها التي صممها مهندس معماري إيطالي باللون القرميدي، وتم بناء هذا القسم من المدينة في عام 1995 بعد سقوط جدار برلين، وتجد فيه محطة «بوتسدامر بلاتز» التي تربط المدينة بشبكة قطارات منظمة، وتجد في المنطقة مركز «أركايد» التجاري الذي يضم 3 طبقات تحتوي على عدد كبير من أشهر الماركات العالمية، وفي محيط هذه المنطقة تجد المقاهي حيث يمكنك الجلوس في الهواء الطلق.
أين تأكل في برلين؟
سوف تقف حائرا أمام وفرة الأماكن الجيدة لتناول الطعام في برلين ولكن ينصح دائما بالتوجه إلى الأماكن التي يأكل فيها أهالي المدينة مثل مطعم «فيشر فريتز» Fische Fritz التابع لفندق «ذا ريجنت» وهو حائز على نجمتي ميشلين للتميز.
مطعم «فاسيل» Facil التابع لفندق «ذا ماندالا» يعتبر أيضا من أهم مطاعم المدينة وهو حائز على نجمة ميشلين.
مطعم «ميدتاون غريل» Midtown Grill التابع لفندق «ماريوت» يقدم ألذ المشاوي واللحوم.
مطعم «ثيودور توكر» Theodor Tucher القريب من بوابة «براندنبورغ» يقدم ألذ المأكولات المحلية والأسماك في أجواء رائعة.
مطعم «رينهاردز» في «كيمبينسكي ذا بريستول» Kempinski The Bristol و فيه ستقف حائرا أمام خيارات الأكل.
أين تقيم في برلين؟
في برلين عدد كبير من الفنادق الجيدة ومن أفضل الفنادق التي تتمتع بمواقع جغرافية سياحية وخدمات عالية الجودة:
فندق «ذا ريجنت» TheRegent : الواقع في شارع «شارلوتينشترابيه»، و هو فندق راق جدا يتمتع بمركز صحي ومطاعم فاخرة وحديقة مخصصة لتناول الشاي والمأكولات، موقعه مناسب للتسوق قريب من محلات عالمية مثل «غاليري لا فاييت» وغيرها من دور الأزياء العالمية الشهيرة.
فندق «ذا ماندالا» The Mandala : الواقع تجاه مركز «سوني» وعالم الليغو للصغار Lego Land .
فندق «كيمبينسكي» Kempinki The Bristol : القريب من شارع كودام للتسوق وهو الفندق الأقدم في المدينة وفيه أول بركة سباحة في برلين .
فندق «غراند حياة برلين» Grand Hyatt Berlin :ويقع في بوتسدامر بلاتز ويضم بركة سباحة مطلة على معالم المدينة، إضافة إلى مركز صحي كبير .
وفي النهاية وبعد زيارة العاصمة الألمانية برلين سوف تدرك أن الحرب علمت أهالي المدينة درساً في الحياة، فأهالي المدينة بشطريها الشرقي والغربي يعشقون الحياة ويعرفون كيف يعيشون كل لحظة، ولو أن شبح الجدار لا يزال موجودا بينهم، ففي كل لحظة يتم ذكر الجدار لأنه لا تزال عدة أجزاء منه موجودة في طرقات المدينة وفي أحيان أخرى ترى أثراً له على الأرض، ولا ينتهي الأمر هنا بل تباع في محلات القطع التذكارية، أجزاء صغيرة من الجدار تبدأ أسعارها من 5 يوروات.
0 التعليقات:
إرسال تعليق