Ads 468x60px

الأربعاء، 9 مايو 2012

الجزء الثانى ... لحياة الحبيب صلى الله علية وسلم



ذكر علامات النبوة في رسول الله



صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه


قال الشيخ: قد ذكرنا أن أمه آمنة رأت عند ولادته نورا أضاء له المشرق والمغرب وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: رأت أمي نورا أضاءت له قصور الشام وقد ذكرنا شق بطنه في صغره وحديث ميسرة والراهب وحديث بحيرا والغمامة التي كانت تظله والأحاديث في هذا كثير، إلا أنا نروم الاختصار فلهذا نحذف.


عن عمرو بن سعيد أن أبا طالب قال: كنت بذي المجاز ومعي ابن أخي -يعني النبي صلى الله عليه وسلم -فأدركني العطش فشكوت إليه فقال: يا ابن أخي قد عطشت. وما قلت له ذلك وأنا أرى أن عنده شيئا؛ إلا الجزع. فثنى وركه ثم نزل فأهوى بعقبه إلى الأرض فإذا بالماء فقال: اشرب يا عم فشربت.


وعن ابن عباس قال: أول شيء رأى النبي صلى الله عليه وسلم من النبوة أن قيل له استتر، وهو غلام، فما رئيت عورته من يومئذ.


وقالت بره بنت أبي تجرأة: لما ابتدأه الله تعالى بالنبوة كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يرى بيتا ويفضي إلى الشعاب وبطون الأودية، فلا يمر بحجر ولا شجرة إلا قال: السلام عليك يا رسول الله فكان يلتفقت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى أحدا.


وعن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث. إني لأعرفه الآن روه الإمام أحمد وانفرد بإخراجه مسلم.
فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة شهد بنيان الكعبة وتراضت قريش بحكمه فيها، وكانوا قد اختلفوا فيمن يضع الحجر، فاتفقوا على أن يحكم بينهم أول داخل يدخل المسجد فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذا الأمين، فقال: هلموا ثوبا، فوضع الحجر فيه وقال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من نواحيه وارفعوه جميعا، ثم أخذ الحجر بيده فوضعه في مكانه.
فلما أتت له أربعون سنة ويوم بعثه الله عز وجل وذلك في يوم الاثنين.
.........................

ذكر بدو الوحي



روى مسلم في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين، فقال: فيه ولدت وفيه أنزل علي .



وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: نزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة يوم سبع وعشرين من رجب، هو أول يوم هبط فيه. وقال ابن إسحق: ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنزيل في شهر رمضان.
 
وعن عائشة أنها قالت: أول ما ابتديء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. ثم حبب إليه الخالاء فكان يأتي جبل حراء يتحنث فيه، وهو التعبد الليالي ذوات العدد، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها، حتى فجئه الحق وهو في غار حراء فجاءه الحق فيه فقال: اقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق سورة العلق 1، قال: فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال: زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال: يا خديجة مالي وأخبرها الخبر. قال: قد خشيت علي فقالت له: كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق.
ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهو ابن عم خديجة أخي أبيها وكان أمرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، فكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت خديجة: أي ابن عم اسمع من ابن أخيك. قال ورقة: يا ابن أخي ما ترى? فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى صلى الله عليه وسلم، يا ليتني فيها جذعا أكون حيا حين يخرج قومك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أومخرجي هم? فقال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا.
ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا لكي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه يبدى له جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إنك رسول الله حقا. فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه صلى الله عليه وسلم فيرجع، فإاذ طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل عليه السلام فقال مثل ذلك. أخرجاه في الصحيحين.
وعن جابر بن عبد الله: قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي قال في حديثه: فبينا أنا أمشي: سمعت صوتا من السماء، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فجئثت منه رعبا فجئت فقلت زملوني. فدثروني، فأنزل الله عز وجل يا أيها المدثر سورة المدثر 1، أخرجاه في الصحيحين.
ومعنى فجئثت فرقت يقال رجل مجؤوث.
............................................




ذكر كيفية إتيان الوحي إليه صلى الله عليه وسلم






عن عائشة: أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحيانا يأتيني في مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول، قالت عائشة: وقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا أخرجاه في الصحيحين.






واخرجا من حديث يعلى بني أمية أنه كان يقول لعمر: ليتني أرى رسول الله. صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه الوحي. فلما كان النبي. صلى الله عليه وسلم في الجعرانة جاءه رجل فسأله عن شيء، فجاءه الوحي، فأشار عمر إلى يعلى أن تعال، فجاء يعلى فأدخل رأسه فإذا هو محمر الوجه يغط كذلك ساعة ثم سري عنه.



وعن زيد بن ثابت قال: إني قاعد إلى جنب النبي. صلى الله عليه وسلم يوما إذا أوحي إليه و غشيته السكينة ووقع فخذه على فخذي حين غشيته السكينة. قال زيد: فلا والله ما وجدت شيئا قط أثقل من فخذ رسول الله.)ثم سري عنه فقال: اكتب يا زيد.



وفي أفراد البخاري من حديث زيد بن ثابت قال: أملى علي رسول الله.صلى الله عليه وسلم لا يستوي القاعدون من المؤمنين سورة النساء -95 فجاءه ابن أم مكتوم و هو يمليها علي فقال: و الله يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت. و كان أعمى. فأنزل الله عز وجل على رسوله و فخذه على فخذي، فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي، ثم سري عنه فأنزل الله عز و جل غير أولي الضرر سورة النساء -95.


وقال عبادة بن الصامت: كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي كرب له و تربد وجهه.


و قال أبو أروى الدوسي: رأيت الوحي ينزل على رسول الله. صلى الله عليه وسلم و أنه على راحلته فترغو و تفتل يديها حتى أظن أن ذراعها تنفصم، وربما بركت وربما قامت موئدة يديها حتى يسرى عنه من ثقل الوحي، و أنه ليتحدر منه مثل الجمان

.....................................



ذكر رمي الشياطين بالشهب لمبعثه



قال العلماء بالسير: رأت قريش النجوم يرمى بها بعد عشرين يوما من مبعث رسول الله.).




عن ابن عباس قال: انطلق رسول الله. صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، و أرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: مالكم? فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء و أرسلت علينا الشهب. قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث فاضربوا مشارق الأرض و مغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء. قال: فانطلق الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله. صلى الله عليه وسلم بنخلة و هو عامد إلى سوق عكاظ و هو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن تسمعوا له فقالوا:هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء. فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا أنا سمعنا قرانا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به و لن نشرك بربنا أحدا سورة الجن -2 و أنزل الله على نبيه: قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن سورة الجن -1 أخرجاه في الصحيحين.



و عنه قال: كان الجن يسمعون الوحي فيسمعون الكلمة فيزيدون عليها عشرا فيكون ما سمعوه حقا و ما زادوه باطلا. وكانت النجوم لا يرمى بها قبل ذلك، فلما بعث النبي. صلى الله عليه وسلم كان أحدهم لا يقعد مقعده إلا رمي بشهاب يحرق ما أصاب. فشكوا ذلك إلى إبليس فقال: ما هذا إلا من أمر قد حدث، فبث جنوده فإذا هم بالنبي. صلى الله عليه وسلم يصلي بين جبلي نخلة فأتوه فأخبروه فقال: هذا الذي حدث في الأرض.
قال الشيخ: وهذا الحديث يدل على أن النجوم لم يرم بها قبل مبعث نبينا.). وقد روينا عن الزهري أنه قال: قد كان يرمى بها قبل ذلك و لكنها غلظت حين بعث النبي.).

.................................


ذكر اعتراف أهل الكتاب بنبوته






قال كعب الأحبار: نجد نعت رسول الله.)في التوراة: محمد بن عبد الله عبدي المختار، مولده مكة، و مهاجره المدينة، لا فظ و لا غليظ و لا صخاب في الأسواق.



و عن أبي هريرة قال أتى رسول الله. صلى الله عليه وسلم بيت المدراس فقال: اخرجوا إلي أعلمكم. فقالوا: عبد الله بن صوريا. فخلا به رسول الله. صلى الله عليه وسلم فنا شده بدينه وبما أنعم الله به عليهم وأطعمهم من المن و السلوى، وظللهم به من الغمام: أتعلم أني رسول الله? قال: اللهم نعم، و إن القوم ليعرفون ما أعرف، و إن صفتك و نعتك لمبين في التوراة، ولكنهم حسدوك. قال: فما يمنعك أنت? قال: أكره خلاف قومي، و عسى أن يتبعوك و يسلموا فأسلم.






و عن ابن عباس قال: كان يهود قريظة و النضير و فدك وخيبر يجدون صفة النبي. صلى الله عليه وسلم عندهم قبل أن يبعث و أن دار هجرته المدينة فلما ولد رسول الله. صلى الله عليه وسلم قالت احبار يهود: ولد أحمد الليلة. فلما نبيء قالوا: قد نبئ أحمد، يعرفون ذلك و يقرون به و يصفونه، فما منعهم عن إجابته إلا الحسد و البغي.



و عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال: كان الزبير بن باطا - وكان أعلم اليهود - يقول: إني وجدت سفرا كان أبي يختمه علي، فيه ذكر أن أحمد نبي صفته كذا و كذا. فحدث به الزبير بعد أبيه والنبي. صلى الله عليه وسلم لم يبعث، فما هو إلا أن سمع بالنبي. صلى الله عليه وسلم قد خرج إلى مكة فعمد إلى ذلك السفر فمحاه وكتم شأن النبي. صلى الله عليه وسلم و قال: ليس به.



و عن سلمة بن سلامة بن وقش قال: كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل، قال: فخرج علينا يوما من بيته قبل أن يبعث النبي. صلى الله عليه وسلم بيسير، حتى وقف على مجلس بني عبد الأشهل. قال سلمة: وانا يومئذ أحدث من فيه سنا علي بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي، فذكر البعث والقيامة و الحساب و الميزان و الجنة و النار، فقال ذلك لقوم أهل شرك، أصحاب أوثان لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت. فقالوا له: ويحك يا فلان ترى هذا كائنا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها الجنة و النار يجزون فيها بأعمالهم? قال: نعم و الذي يحلف به يود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبقونه عليه، و أن ينجو من تلك النار غدا. قالوا له: ويحك و ما آية ذلك? قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد،و أشار بيده نحو مكة و اليمن، قالوا: ومتى تراه? قال فنظر إلي و أنا من أحدثهم سنا فقال: إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه.



قال سلمة: فو الله ما ذ هب الليل و النهار حتى بعث الله تعالى رسول. صلى الله عليه وسلم و هو حي بين أظهرنا، فآمنا به و كفر به بغيا و حسدا، فقلنا: ويلك يا فلان ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت? قال: بلى و ليس به.


..............................

ذكر بدو دعاء رسول الله

الناس إلى الإسلام روى عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رسول الله. صلى الله عليه وسلم كان يدعو من أول ما أنزلت عليه النبوة ثلاث سنين مستخفيا ثم أمر بإظهار الدعاء.

و قال يعقوب بن عتبة: كان أبو بكر و عثمان و سعيد بن زيد و أبو عبيدة بن الجراح يدعون إلى الإسلام سرا، وكان عمر وحمزة يدعوان علانية، فغضبت قريش لذلك.

..................................

ذكر طرف من معجزاته

اعلم أن معجزات رسول الله. صلى الله عليه وسلم كثيرة، ونحن نذكر طرفا منها: وأكبر معجزاته الدالة على صدقة القرآن العزيز الذي لو اجتمعت الأنس و الجن على أن يأتوا بمثله لم يقدروا وكفى به.

عن ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله. صلى الله عليه وسلم شقتين حتى نظروا إليه، فقال رسول الله. صلى الله عليه وسلم اشهدوا. أخرجاه في الصحيحين و الروايات في الصحيح بانشقاق القمر عن ابن عمر و عباس و أنس.وعن عمران بن حصين قال: كنا في سفر مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم وكنا أسرينا حتى إذا كانا في آخر الليل وقعنا تلك الوقعة، ولا وقعة عند المسافر أحلى منها، قال: فما أيقظنا إلا حر الشمس، وكان أول من استيقظ فلان ثم فلان ثم فلان وكان يسميهم أبو رجاء ونسيهم عوف، ثم عمر بن الخطاب الرابع، وكان رسول الله. صلى الله عليه وسلم إذا نام لم نوقظه حتى يكون هو يستيقظ لانا لا ندري ما يحدث أو ما حدث له في نومه.
فلما أستيقظ عمر ورأى ما أصاب وكان رجلا أجوف جليدا قال فكبر ورفع صوته بالتكبير فما زال يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ رسول الله.صلى الله عليه وسلم فلما استيقظ رسول الله. صلى الله عليه وسلم شكوا إليه الذي أصابهم فقال: لا ضير، أو لا يضير، ارتحلوا فارتحل فسار غير بعيد،ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ، ونودي بالصلاة فصلى بالناس،فلما انتفل من صلاته إذا رجل معتزل لم يصل مع القوم فقال ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم? فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء. قال عليك بالصعيد الطيب فانه يكفيك.

ثم سار رسول الله. صلى الله عليه وسلم فاشتكى إليه الناس العطش فنزل فدعا فلانا كان يسميه أبو رجب ونسيه عوف، ودعا عليا عليه السلام فقال: اذهبا فابغيا الماء فذهبا فلقيا امرأة بين مزادتين أو سطيحتين من ماء على بعيرها فقالا لها: أين الماء? عهدي بالماء أمس هذه الساعة، ونفرنا خلوف. قال: فقالا لها فانطلقي إذا. قالت: إلى أين? قالا: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: هذا الذي يقال له الصابئ? قالا: هو الذي تعنين فانطلقي. فجاءا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثاه الحديث، فاستزلوها عن بعيرها، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء فأفرغ فيه من أفواه المزادتين أو السطيحتين وأوكى أفواههما وأطلق العزالي ونودي في الناس أن اسقوا واستقوا فسقى من شاء واستقى من شاء، فكان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء فقال: إذهب فافرغه عليك. قال، وهي قائمة تنظر: ما يفعل بمائها? قال وأيم الله لقد اقلع عنها وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملئة منها حين ابتديء فيها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجمعوا لها. فجمع لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة حتى جمعوا لها طعاما كثيرا وجعلوه في ثوب وحملوه على بعيرها ووضعوا لاثوب بين يديها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلمين والله ما رزأناك من مائك شيئا ولكن الله عز وجل هو الذي سقانا.
قالت: فأتت أهلها وقد احتبست عنهم فقالوا: ما حبسك يا فلانة? قالت: العجب، لقيني رجلان فذهبا بي إلى هذا الذي يقال له الصابئ ففعل بمائي كذا وكذا، فوالله إنه لأسحر من بين هذه وهذه، وقالت بإصبعها الوسطى والسبابة، فرفعتهما إلى السماء تعني السماء والأرض وإنه لرسول الله حقا. قال: فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على ما حولها من المشركين ولا يصيبون الصرم الذي هي منه. فقالت يوما لقومها: ما أدري هؤلاء القوم الذين يدعونكم عمدا فهل لكم في الإسلام? فأطاعوها فدخلوا في الإسلام. أخرجاه في الصحيحين.
وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالزوراء فإتي بإناء فيه ماء لا يغمر أصابعه أو قدر ما يواري أصابعه فأمر أصحابه أن يتوضؤا. فوضع كفه في الماء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه وأطراف أصابعه، حتى توضأ القوم قال: فقلنا لأنس: كم كنتم? قال: كنا ثلاثمائة. أخرجاه في الصحيحين.
وعن جابر قال: عطش الناس يوم الحديبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة، فتوضأ منها ثم أقبل الناس نحوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لكم? قالوا: يا رسول الله ليس عندنا ما نتوضأ به ولا نشرب ماء إلا في ركوتك فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون. قال: فشربنا وتوضأنا، فقلت لجابر: كم كنتم يومئذ? قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة. أخرجاه في الصحيحين.
وعن أنس بن مالك قال: أصابت الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة إذ قام أعرابي فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا أن يسقينا. فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وما في السماء قزعة فثار سحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحدر على لحيته. قال فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد، ومن بعد الغد، والذي يليه إلى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي أو رجل غيره فقال: يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال، ادع الله لنا. فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا قال: فما جعل يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا انفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة، حتى سال الوادي وادي قناة شهرا فلم يجيء أحد من ناحية إلا حدث بالجود، أخرجاه في الصحيحين.
وعن جابر بن عبد الله قال: كان جذع يقوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم فلما وضع له المنبر سمعنا للجذع مثل أصوات العشار حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه رواه البخاري.


وقد روى محمد بن سعد عن أشياخ له أن قريشا لما تكاتبت على بني هاشم حين أبوا أن يدفعوا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا تكاتبوا أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يخالطوهم في شيء ولا يكلموهم فمكثوا ثلاث سنين في شعبهم محصورين، ثم أطلع الله نبيه على أمر صحيفتهم، وأن الآكلة قد أكلت ما كان فيها من جوار أو ظلم، وبقي فيه ما كان من ذكر الله. فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب فقال أبو طالب أحق ما تخبرني به يا ابن أخي? قال: نعم والله. فذكر ذلك أبو طالب لإخوته وقال: والله ما كذبني قط، قالوا: فما ترى? قال: أرى أن تلبسوا أحسن ثيابكم وتخرجوا إلى قريش فنذكر ذلك لهم قبل أ، يبلغهم الخبر فخرجوا حتى دخلوا المسجد، فقال أبو طالب: إنا قد جئنا لأمر فأجيبوا فيه. قالوا: مرحبا بكم وأهلا. قال: ن ابن أخي قد أخبرني ولم يكذبني قط أن الله قد سلط على صحيفتكم التي كتبتم الأرضة فلحست كل ما كان فيها من جور أو ظلم أو قطيعة رحم، وبقي فيها كل ما ذكر به الله، فإن كان ابن أخي صادقا نزعتم عن سوء رأيكم، وإن كان كاذابا دفعته إليكم فقتلتموه أو استحييتموه إن شئتم. قالوا أنصفتنا، فأرسلوا إلى الصحيفة فلما فتحوها إذا هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقط في أيدي القوم ثم نكسوا على رؤوسهم، فقال أبو طالب: هل تبين لكم من أولى بالظلم والقطيعة? فلم يراجعه أحد منهم، ثم انصرفوا.

.........................................

ذكر طرف من أخباره بالغائبات صلى الله عليه وسلم


عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله أخرجاه في الصحيحين.


وعنه قال شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فقال لرجل ممن يدعي الإسلام: هذا من أهل النار. فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابه جراحة، فقيل: يا رسول الله، الرجل الذي قلت من أهل النار قاتل قتالا شديدا وقد مات. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النار. وكاد بعض القوم يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه لم يمت ولكن به جراح شديد، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله. ثم أمر بلالا فنادى في الناس أنه لا يدلخ الجنة إلا نفس مسلمة وأن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر أخرجاه في الصحيحين.
وعن عبد الله بن مسعود قال: انطلق سعد بن معاذ معتمرا فنزل على أمية بن خلف، وكن أمية إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على سعد، فقال أمية لسعد انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس انطلقت فطفت. فبينا سعد يطوف إذا أبو جهل قال: من يطوف بالكعبة? فقال أنا سعد. فقال أبو جهل: تطوف بالكعبة آمنا وقد آويتم محمدا وأصحابه? قال: نعم. فتلاحيا بينهما، فقال أمية لسعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم فإنه سيد أهل الوادي. ثم قال سعد: والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعنك متجرك بالشام. قال: فجعل أمية يقول لسعد: لا ترفع صوتك. وجعل يمسكه فغضب سعد فقال: دعنا عنك فإني سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يزعم أنه قاتلك. قال: إياي? قال: نعم، قال: والله ما نكذب محمدا إذا حدث.
فرجع إلى امرأته فقال: أما تعلمين ما قال لي أخي اليثربي? قالت: وما قال لك? قال: زعم أن محمدا يزعم أنه قاتلي، قالت فوالله ما يكذب محمد.
قال: فلما خرجوا إلى بدر وجاء الصريخ قالت له امرأته: أما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي? قال: فأراد أن لا يخرج. فقال له أبو جهل: إنك من أشراف الوادي فسر معنا يوما أو يومين فسار معهم فقتله الله.



وعن أنس قال: كنا مع عمر بين مكة والمدينة فتراءينا الهلال، وكنت حديد البصر فرأيته، فجعلت أقول لعمر: أما تراه? فقال: سأراه وأنا مستلق على فراشي. ثم خذ يحدثنا عن أهل بدر، قال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرينا مصارعهم بالأمس، يقول هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله، وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله. قال: فجعلوا يصرعون عليها. قال: قلت والذي بعثك بالحق ما أخطأت رؤيتك، كانوا يصرعون عليها، ثم أمر بهم فطرحوا في بئر فانطلق إليهم فقال: يا فلان، يا فلان، هل وجدتم ما وعدكم الله حقا فإني وجدت ما وعدني الله حقا? فقال عمر: يا رسول الله أتكلم قوما قد جيفوا فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا انفرد بإخراجه مسلم.
.............................

ذكر طرف مما لا قى رسول الله من أذى



صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين وهو صابر


كان أبو طالب يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أتت لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يوما مات عمه أبو طالب للنصف من شوال في السنة العاشرة من المبعث، وهو ابن بضع وثمانين سنة، وتوفيت بعده خديجة بشهر وخمسة أيام، ويقال بثلاثة أيام فحسب، وهي ابنة خمس وستين سنة، وكانت قريش تكف بعض أذاها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات أبو طالب، فلما مات بالغوا في أذاه، فلما ماتت خديجة أقام بعدها ثلاثة أشهر، ثم خرج هو وزيد بن حارثة إلى الطائف فأقام بها شهرا ثم رجع إلى مكة في جوار المطعم بن عدي وما زال يلقى الشدائد.

وعن عبد الله قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على قريش غير يوم واحد، فإنه كان يصلي ورهط من قريش جلوس وسلى جزور قريب منه، فقالوا من يأخذ هذا السلى فيلقيه على ظهره? قال فقال عقبة بن أبي معيط: أنا. فأخذه فألقاه على ظهره. فلم يزل ساجدا حتى جاءت فاطمة صلوات الله عليها فأخذته عن ظهره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم عليك الملأ من قريش، اللهم عليك بعتبة بن ربيعة، اللهم عليك بشيبة بن ربيعة، اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، اللهم عليك بعقبة ابن أبي معيط، اللهم عليك بأبي بن خلف أو أمية بن خلف .



قال عبد الله: فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر جميعا ثم سحبوا إلى القليب غير أبي أو أمية فإنه كان جلا ضخما فتقطع أخرجاه في الصحيحين.
وعن عروة إن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد? قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا أخرجاه في الصحيحين.
وعنه قال قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم. قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة إذ أقل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه به خنقا شديدا فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم?
فصل

فلما أتت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمسون سنة وثلاثة أشهر قدم عليه جن نصيبين فأسلموا. فلما أتت له إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر أسري به.

..........................


ذكر معراجه صلى الله عليه وسلم


عن أنس بن مالك بن صعصعة حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به قال


بينا أنا في الحطيم وربما قال قتادة في الحجر مضطجع إذ أتاني آت فجعل يقول لصاحبه الأوسط بين الثلاثة قال فأتاني وقعد
قال وسمعت قتادة يقول فشق ما بين هذه إلى هذه قال قتادة فقلت للجارود وهو إلى جنبي ما يعني قال من ثغرة نحره إلى شعرته وقد سمعته يقول من قصه إلى شعرته قال فاستخرج قلبي قال فأتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا وحكمة فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض قال فقال الجارود أهو البراق يا أبا حمزة قال نعم يقع خطوه عند أقصى بصره
قال فحملت عليه فانطلق بي جبريل صلى الله عليه وسلم حتى أتى السماء الدنيا
فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إذا فيها آدم صلى الله عليه وسلم قال هذا أبوك آدم سلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح
ثم صعد حتى أتى بي السماء الثانية فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء قال ففتح فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما قال فسلمت فردا السلام ثم قالا مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح
ثم صعد بي حتى أتى السماء الثالثة فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء قال ففتح فلما خلصت إذا يوسف قال هذا يوسف فسلم عليه قال فسلمت
عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح
ثم صعد حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء قال ففتح فلما خلصت إذا إدريس قال هذا إدريس فسلم عليه قال فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح
قال ثم صعد حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء قال ففتح فلما خلصت قال فإذا أنا بهارون قال هذا هارون فسلم عليه قال فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح
قال ثم صعد بي حتى أتي السماء السادسة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت قال فإذا أنا بموسى قال هذا موسى فسلم عليه
فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال فلما تجاوزت بكى فقيل وما يبكيك قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي
قال ثم صعد حتى أتى السماء السابعة فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء قال ففتح فلما خلصت فإذا إبراهيم قال هذا إبراهيم فسلم عليه قال فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح
قال ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا أوراقها مثل آذان الفيلة قال هذه سدرة المنتهى قال فإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران قلت ما هذا يا جبريل قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات قال ثم رفع إلى البيت المعمور
قال قتادة وحدثنا الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أري البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون فيه
ثم رجع إلى حديث أنس قال ثم أتيت باناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل قال فأخذت اللبن قال هذه الفطرة أنت عليها وأمتك قال ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم قال فرجعت فمررت على موسى فقال بم أمرت قلت أمرت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك تعالى وسله التخفيف لأمتك قال فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال بم أمرت قلت بأربعين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع أربعين صلاة كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال فرجعت فوضع عني
عني عشرا أخر فرجعت إلى موسى فقال بم أمرت قلت أمرت بثلاثين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع ثلاثين صلاة كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال فرجعت فوضع عني عشرا أخر فرجعت إلى موسى فقال بم أمرت قلت أمرت بعشرين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع عشرين صلاة كل يوم فاني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني اسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك تعالى فاسأله التخفيف لأمتك قال فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بم أمرت قلت بعشر صلوات كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع عشر صلوات كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني اسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك تعالى فاسأله التخفيف لأمتك قال فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم قال أن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال قلت قد
سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم فلما نفذت ناداني مناد قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي أخرجاه في الصحيحين
عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت ربي تبارك وتعالى رواه الإمام أحمد ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى أرض الحبشة
لما أظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أظهر له المشركون العداوة فمنعه الله بعمه أبي طالب وأمر أصحابه بالخروج إلى أرض الحبشة وقال لهم إن بها ملكا لا يظلم الناس ببلاده فتحرزوا عنده حتى يأتيكم الله بفرج منه فهاجر جماعة وأستخفى آخرون بإسلامهم وكان جملة
من خرج إلى أرض الحبشة ثلاثة وثمانين رجلا وإحدى عشرة امرأة قرشية وسبع غرائب
فلما سمعوا بمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلا وثماني نسوة فمات منهم رجلان بمكة وحبس منهم سبعة وشهد منهم بدرا أربعة وعشرون
فلما كانت سنة سبع من الهجرة كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام فأسلم وكتب إليه أن يزوجه بأم حبيبة وأن يبعث إليه من بقي من أصحابه ففعل فقدموا المدينة فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فتح خيبر 
..........................................
ذكر مقدار إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوة
............................


اختلفوا في ذلك فروى ربيعة عن أنس وأبو سلمة عن
ابن عباس أنه أقام عشر سنين وهو قول عائشة وسعيد بن المسيب وروي عن ابن عباس أنه أقام خمس عشرة سنة
عن ابن عباس قال أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة سبع سنين يرى الضوء ويسمع الصوت وثماني توحى إليه
والصحيح ما أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة ثلاث عشرة سنة ويحمل قول من قال عشر سنين على مدة إظهار النبوة فإنه لما بعث استخفى ثلاث سنين ويحمل قول من قال خمس عشرة سنة على مبدأ ما كان يرى قبل النبوة من أعلامها صلى الله عليه وسلم
....................................
ذكر عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه بالموقف على الناس لينصروه
.................................................. .


عن جابر بن عبد الله قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه بالموقف
ويقول ألا رجل يحملني إلى قومه فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي رواه الترمذي وعنه قال مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي المواسم بمنى يقول من يؤويني من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مصر كذا قال فيأتيه قومه فيقولون احذر غلام قريش لا يفتنك ويمشي بين رحالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع حتى بعثنا الله له من يثرب فآويناه ونصرناه وصدقناه فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون باسلامه حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الاسلام ثم ائتمروا جميعا فقلنا حتى
متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف فرحل إليه منا سبعون رجلا حتى قدموا عليه في المواسم فواعدناه شعب العقبة واجتمعنا عندها من رجل ورجلين حتى توافقنا فقلنا يا رسول الله علام نبايعك قال بايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل والنفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن تقولوا في الله ولا تخافوا في الله لومة لائم وعلى أن تنصروني وتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة
قال فقمنا إليه فبايعناه وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو من أصغرهم وقال رويدا يا أهل يثرب فانا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف فاما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبينة فبينوا ذلك فهو أعذر لكم عند الله قالوا أمط عنا يا أسعد فوالله ما ندع
هذه البيعة أبدا ولا نسلبها أبدا قال فقمنا إليه فبايعناه فأخذ علينا وشرط ويعطينا على ذلك الجنة
...............................
ذكر العقبة وكيف جرى


قال ابن إسحق لما أراد الله تعالى إظهار دينه وإعزاز نبيه وإنجاز موعده خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه في النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج فذكرواأنه قال لهم ممن أنتم قالوا له من الخزرج قال أفلا تجلسون أكلمكم قالوا بلى فجلسوا معه فدعاهم إلى الله تعالى وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن وقد كانوا يسمعون من اليهود أن نبيا مبعوثا قد أظل زمانه فقال بعضهم لبعض والله يا قوم إن هذا النبي الذي تعدكم به اليهود فلا يسبقنكم إليه فأجابوه وهم فيما يزعمون ستة أسعد بن زرارة وعوف بن مالك وهو ابن عفراء ورافع بن مالك بن العجلان وقطبة بن عامر بن حديدة وعقبة بن عامر بن نابى
وجابر بن عبد الله بن رئاب
فلما انصرفوا إلى بلادهم وقد آمنوا ذكروا لقومهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان العام المقبل أتى الموسم اثنا عشر رجلا من الأنصار فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة وهي العقبة الأولى فبايعوه بيعة النساء قبل أن تفترض الحرب وفيهم عبادة بن الصامت قال عبادة بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولى على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف وذلك قبل أن تفترض الحرب فان وفيتم بذلك فلكم الجنة وإن غشيتم شيئا فأمركم إلى الله إن شاء غفر وإن شاء عذب
فلما انصرف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معهم مصعب بن عمير إلى المدينة يفقه أهلها ويقرئهم القرآن فنزل على أسعد بن زرارة فكان يسمى بالمدينة المقرىء فلم يزل يدعو الناس إلى الإسلام حتى شاع الإسلام ثم رجع مصعب إلى مكة قبل بيعة العقبة الثانية
قال كعب بن مالك خرجنا في الحجة التي بايعنا فيها رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالعقبة مع مشركي قومنا فواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة أوسط أيام التشريق ونحن سبعون رجلا ومعهم امرأتان فلما كانت الليلة التي وعدنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم نمنا أول الليل مع قومنا فلما استثقل الناس من النوم تسللنا من فراشنا تسلل القطا حتى اجتمعنا بالعقبة فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عمه العباس ليس معه غيره فقال العباس يا معشر الخزرج إن محمدا منا حيث قد علمتم وهو في منعة من قومه وبلاده وقد أبى إلا الانقطاع إليكم فإن كنتم تخشون من أنفسكم خذلانا فاتركوه في قومه فإنه في منعة من عشيرته وقومه فقلنا
قد سمعنا ما قلت تكلم يا رسول الله فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا إلى الله ورغب إلى الإسلام وتلا القرآن فأجبناه بالإيمان به والتصديق له وقلنا له يا رسول خذ لربك ولنفسك قال إني أبايعكم على أن تمنعوني مما منعتم منه أبناءكم ونساءكم فأجابه البراء بن معرور فقال نعم والذي بعثك بالحق مما نمنع منه أزرنا فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر
فعرض في الحديث أبو الهيثم بن التيهان فقال يا رسول الله إن بيننا وبين أقوام حبالا وإنا قاطعوها فهل عسيت إن أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا فقال رسول الله بل الدم الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني أسالم من سالمتم وأحارب من حاربتم فقال له البراء بن معرور أبسط يدك يا رسول الله نبايعك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا فأخرجوهم وهم أسعد بن زرارة وعبد الله بن عمرو بن حرام وسعد بن عبادة والمنذر بن عمرو ورافع بن مالك بن العجلان وعبد الله ابن وراحة وسعد بن الربيع وعبادة بن الصامت وأسيد بن حضير وأبو الهيثم بن التيهان وسعد بن خيثمة
فأخذ البراء بن معرور بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب عليها فكان أول من بايع وتتابع الناس فبايعوا
قال ابن اسحق فلما أيقنت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بويع وأمر أصحابه أن يلحقوا بالمدينة توامروا بينهم فقالوا والله لكأنه قد كر عليكم بالرجال فأثبتوه أو اقتلوه أو أخرجوه فاجتمعوا على قتله وأتاه جبريل وأمره أن لا يبيت في مكانه الذي يبيت فيه فبات في غيره فلما أصبح أذن له في الخروج إلى المدينة
وعن ابن عباس في قوله وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك قال تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم بل اقتلوه وقال بعضهم بل أخرجوه فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك فبات علي عليه السلام على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار وبات المشركون يحرسون عليا يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم
فلما أصبحوا ثاروا إليه فلما رأوا عليا رد الله مكرهم فقالوا أين صاحبك قال لا أدري فاقتصوا أثره
......................................
ذكر هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

كانت بيعة العقبة في أوسط أيام التشريق وقدم رسول صلى الله عليه وسلم المدينة لأثنتي ليلة خلت من ربيع الأول

قال يزيد بن أبي حبيب خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة في صفر وقدم المدينة في ربيع الأول قال ابن إسحاق دخلها حين ارتفع الضحى وكادت الشمس تعتدل

عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد

القارة قال أين تريد يا أبا بكر فقال أبو بكر أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي قال ابن الدغنة فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج أنت تكسب المعدم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فلم تكذب مرة وأنت بجوار ابن الدغنه وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل فيها وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره
ثم بدا لأبي بكر فبنى مسجدا بفناء داره فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ
القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنه فقدم عليهم فقالوا إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره فقد جاوز ذلك فبنى مسجدا بفناء دره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه وإنا خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فاسأله أن يرد إليك ذمتك فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الإستعلان
قالت عائشة فأتى ابن الدغنة إلى أبي فقال قد علمت الذي عاقدت لك عليه فأما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترجع إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له فقال أبو بكر فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين إني أريت دار هجرتكم ذات
نخل بين لابتين وهما الحرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة وتجهز أبو بكر قبل المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي فقال أبو بكر وهل ترجو ذلك بأبي أنت قال نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر وهو الخبط أربعة أشهر
قال ابن شهاب قال عروة قالت عائشة فبينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر فدى له أبي وأمي والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر قالت فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أخرج من عندك فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال فإني قد أذن لي في الخروج قال أبو بكر الصحبة بأبي أنت يا رسول الله قال رسول الله نعم قال أبو بكر
فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين قال رسول الله بالثمن
قالت عائشة فجهزناهما أحث الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فريطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاقين قالت ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور فمكثنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقف فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش كبائت فلا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام يرعى عليهما عامر ابن فهيرة مولى لأبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهم حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما حتى ينعق
بها عامر بن فهيره بغلس يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الدبل وهو من بني عبد بن عدي هاديا خريتا والخريت الماهر بالهداية قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث فانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم على طريق السواحل
قال ابن شهاب وأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي وهو ابن أخي سراقة بن جعشم أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن جعشم يقول جاءنا رسول كفار قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال يا سراقة إني قد رأيت آنفا أسودة بالساحل أراها محمدا وأصحابه قال سراقة فعرفت أنهم هم فقلت إنهم ليسوا هم ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا ثم لبثت في المجلس ساعة ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي من وراء أكمة فتحبسها علي وأخذت رمحي
فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجه الأرض وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا فخرج الذي أكره فركبت فرسي وعصيت الأزلام تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر كثير الإلتفات ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت ولم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له إن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزأاني ولم يسلاني إلا أن قال أخف عنا فسألته أن يكتب لي كتاب أمن فأمر عامر بن فهيرة فكتب لي
في رقعة من أدم ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثياب بياض وسمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة فانقلبوا يوما بعد ما أطالوا انتظارهم فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من اليهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته يا معشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرونه فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول
الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف وذلك يوم الإثنين من شهر ربيع الأول فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيي أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو ابن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذي أسس على التقوى وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول بالمدينة وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين وكان مربدا للتمر لسهل وسهيل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت به راحلته هذا إن شاء الله المنزل ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا فقالا بل نهبه لك يا رسول الله ثم بناه مسجدا
وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن في ثيابه ويقول وهو ينقل اللبن
هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبر ربنا وأطهر
ويقول
اللهم إن الأجر أجر الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة
فتمثل بشعر رجل من المسلمين ولم يسم لي
قال ابن شهاب ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات انفرد بإخراجه البخاري
وعن البراء بن عازب قال اشترى أبو بكر من عازب سرجا بثلاثة عشر درهما قال فقال أبو بكر مر البراء فليحمله إلى منزلي فقال لا حتى تحدثنا كيف صنعت حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت معه قال فقال أبو بكر خرجنا فأدلجنا فاحتثثنا يومنا وليينا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة فضربت ببصري هل نرى ظلا نأوي إليه فإذا أنا بصخرة فأويت إليها فإذا بقية ظلها فسويته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرشت له فروة وقلت اضجع يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضجع ثم خرجت أنظر هل أرى أحدا من الطلب فإذا أنا براعي غنم فقلت لمن أنت يا غلام فقال لرجل من قريش فسماه فعرفته فقلت هل في غنمك من لبن قال نعم قال قلت هل أنت حالب لي قال نعم فأمرته فاعتقل شاة منها ثم أمرته فنفض ضرعها من الغبار ثم أمرته فنفض كفيه من الغبار ومعي إداوة على فمها خرقة فحلب لي كثبة من اللبن فصببت على القدح حتى برد أسفله ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافيته وقد استيقظ فقلت اشرب يا رسول الله فشرب حتى
رضيت ثم قلت هل انى الرحيل فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا أحد منهم إلا سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له فقلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا فقال لا تحزن إن الله معنا حتى إذا دنا منا وكان بيننا وبينه قيد رمح أو رمحين أو ثلاثة قلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا وبكيت فقال لماذا تبكي قال قلت أما والله ما على نفسي أبكي ولكني أبكي عليك قال فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهم اكفناه بما شئت فساخت قوائم فرسه إلى بطنها في أرض صلد ووثب عنها وقال يا محمد قد علمت أن هذا عملك فادع الله تعالى أن ينجيني مما أنا فيه فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب وهذه كنانتي فخذ منها سهما فإنك ستمر بابلي وغنمي في موضع كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حاجة لي فيها قالودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلق ورجع إلى أصحابه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى قدمنا المدينة فتلقاه الناس فخرجوا في الطرق وعلى الأناجير واشتد الخدم والصبيان في الطريق الله أكبر جاء رسول
الله صلى الله عليه وسلم جاء محمد قال وتنازع القوم أيهم ينزل عليه قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل الليلة على بني النجار أخوال عبد المطلب لأكرمهم بذلك فلما أصبح غدا حيث أمر
قال البراء بن عازب أول من قدم علينا ابن أم مكتوم الأعمى أخو بني فهر ثم قدم علينا عمر بن الخطاب في عشرين راكبا فقلنا ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هو على أثري ثم قدم رسول الله ومعه أبو بكر قال البراء ولم يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قرأت سورا من المفصل أخرجاه في الصحيحين
وعن أنس أن أبا بكر حدثه قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار لو أن أحدهم نظر إلى تحت قدميه لأبصرنا تحت قدميه فقال يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما أخرجاه في الصحيحين حديث أم معبد
عن أبي معبد الخزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة
إلى المدينة هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ودليلهم عبد الله بن أريقط الليثي فمروا بخيمتي أم معبد الخزاعيه وكانت امرأة جلدة برزة تحتبي وتقعد بفناء الخيمة تسقي وتطعم فسألوها تمرا ولحما يشترون فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك فإذا القوم مرملون مسنتون فقالت والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة فقال ما هذه الشاة يا أم معبد قالت هذه شاة خلفها الجهد عن الغنم فقال هل بها من لبن قالت هي أجهد من ذلك قال أتأذنين لي أن أحلبها قالت نعم بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلبا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشاة فمسح ضرعها وذكر اسم الله وقال اللهم بارك لها في شاتها قال فتفاجت ودرت واجترت فدعا بإناء لها يربض الرهط فحلب فيه ثجا حتى غلبه الثمال فسقاها فشربت حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا وشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم آخرهم وقال ساقي القوم
آخرهم شربا فشربوا جميعا عللا بعد نهل حتى اراضوا ثم حلب فيه ثانيا عودا على بدء فغادره عندها حتى ارتحلوا عنها فقلما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا حيلا عجافا هزلى ما تساوق مخهن قليل لا نقى بهن فلما رأى اللبن عجب فقال من أين لك هذا والشاة عازبة ولا حلوبة في البيت قالت لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت قال والله إني لأراه صاحب قريش الذي يطلب صفيه لي يا أم معبد قالت رأيت رجلا ظاهر الوضاءة متبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة ولم تزر به صعلة وسيم قسيم في عينيه دعج وفي أشفاره وطف وفي
صوته صحل أحور أكحل أزج أقرن شديد سواد الشعر في عنقه سطع وفي لحيته كثاثة إذا صمت فعليه الوقار وإذا تكلم سما وعلاه البهاء وكأن منطقه خرزات عقد يتحدرن حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر أجهر الناس وأجملهم من بعيدو أحلاهم وأحسنهم من قريب ربعه لا تشنؤه من طول ولا تقتحمه عين من قصر غصن بين غصنين فهو أنظر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا له رفقاء يحفون به إذا قال استمعوا لقوله وإن أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود لا عابس ولا مفند
قال هذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر ولو كنت وافقته لا لتمست أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا
وأصبج صوت بمكة عاليا بين السماء والأرض يسمعونه ولا يرى من يقوله وهو يقول
جرى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر وارتحلا به ... فأفلح من أمسى رفيق محمد
فيال قصي ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا تجازى وسودد
سلوا أختكم عن شاتها وانائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت ... له بصريح ضرة الشاة مزبد
فغادره رهنا لديها لحالب ... بدرتها من مصدر ثم مورد
فأصبح القوم وقد فقدوا نبيهم وأخذوا على خيمتي أم معبد حتى لحقوا النبي صلى الله عليه وسلم قال فأجابه حسان بن ثابت يقول
لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم ... وقدس من يسرى إليه ويغتدي
ترحل عن قوم فزالت عقولهم ... وحل على قوم بنور مجدد
فهل يستوي ضلال قوم تسكعوا ... عمى وهداة يهتدون بمهتدى
نبي يرى مالا يرى الناس حوله ... ويتلو كتاب الله في كل مشهد
فإن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقها في صخوة اليوم أو غد
ليهن أبا بكر سعادة جده ... بصحبته من يسعد الله يسعد
ويهن بني كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمسلمين بمرصد
قال عبد الملك بن مروان فبلغنا أن أم معبد هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسلمت
تفسير غريب الحديث البرزة الكبيرة والمرملون الذين نفد زادهم ومستون من
السنة وهي الجدب وكسر الخيمة جانبها والجهد المشقة وتفاجت فتحت ما بين رجليها للحلب ويربض الرهط يثقلهم فيربضوا والثج السيلان والثمال الرغوة وقوله عللا بعد نهل أي مرة بعد أخرى حتى أراضوا أي رووا والحيل اللواتي لسن بحوامل والنقى المخ والشاة عازب أي بعيدة في المرعى متبلج الوجه
مشرقة والثجلة عظيم البطن واسترخاء أسفله والصعلة صغر الرأس والوسيم الحسن وكذلك القسيم والدعج السواد في العين والوطف الطول في هدب العين والصحل كالبحة والأحور الشديد سواد أصول أهداب العين خلقه والأزج من الزجج وهو دقة الحاجبين وحسنهما والأقرن المقرون الحواجب والسطع الطول وقولها إذا تكلم سما تريد علا رأسه أو يده وقولها لا نزر ولا هذر تريد أنه ليس بقليل ولا كثير وقولها لا تقتحمه عين من قصر أي لا تحتقره والمحفود المخدوم والمحشود من قولك احتشدت لفلان في كذا إذا أعددت له وجمعت وقولها ليس بعابس الوجه ولا فيه أثر هرم والفند الهرم والصريح الخالص والضرة لحم الضرع
.........................



ذكر ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة
..........................................
قال الزهري نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بقباء فأقام فيهم بضع عشرة ليلة وقال عروة مكث بقباء ثلاث
ليال ثم ركب يوم الجمعة فمر على بني سالم فجمع بهم وكانت أول جمعة صلاها حين قدم المدينة ثم ركب في بني سالم قمرت الناقة حتى بركت في بني النجار على دار أبي أيوب الأنصاري فنزل عليه في سفل داره وكان أبو أيوب في العلو حتى ابتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجدا ومساكنه
عن عائشة قالت قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهي وبيئة فمرض أبو بكر فكان إذا أخذته الحمى يقول
كل امريء مصبح في رحله ... والموت أدنى من شراك نعله
وكان بلال إذا أخذته الحمى يقول
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل
اللهم العن شيبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من مكة فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لقوا قال اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد اللهم صححها وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها إلى الجحفة قالت فكان المولود يولد بالجحفة فما يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى أخرجاه في الصحيحين


ذكر علامات النبوة في رسول الله



صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه


قال الشيخ: قد ذكرنا أن أمه آمنة رأت عند ولادته نورا أضاء له المشرق والمغرب وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: رأت أمي نورا أضاءت له قصور الشام وقد ذكرنا شق بطنه في صغره وحديث ميسرة والراهب وحديث بحيرا والغمامة التي كانت تظله والأحاديث في هذا كثير، إلا أنا نروم الاختصار فلهذا نحذف.


عن عمرو بن سعيد أن أبا طالب قال: كنت بذي المجاز ومعي ابن أخي -يعني النبي صلى الله عليه وسلم -فأدركني العطش فشكوت إليه فقال: يا ابن أخي قد عطشت. وما قلت له ذلك وأنا أرى أن عنده شيئا؛ إلا الجزع. فثنى وركه ثم نزل فأهوى بعقبه إلى الأرض فإذا بالماء فقال: اشرب يا عم فشربت.


وعن ابن عباس قال: أول شيء رأى النبي صلى الله عليه وسلم من النبوة أن قيل له استتر، وهو غلام، فما رئيت عورته من يومئذ.


وقالت بره بنت أبي تجرأة: لما ابتدأه الله تعالى بالنبوة كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يرى بيتا ويفضي إلى الشعاب وبطون الأودية، فلا يمر بحجر ولا شجرة إلا قال: السلام عليك يا رسول الله فكان يلتفقت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى أحدا.


وعن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث. إني لأعرفه الآن روه الإمام أحمد وانفرد بإخراجه مسلم.
فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة شهد بنيان الكعبة وتراضت قريش بحكمه فيها، وكانوا قد اختلفوا فيمن يضع الحجر، فاتفقوا على أن يحكم بينهم أول داخل يدخل المسجد فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذا الأمين، فقال: هلموا ثوبا، فوضع الحجر فيه وقال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من نواحيه وارفعوه جميعا، ثم أخذ الحجر بيده فوضعه في مكانه.
فلما أتت له أربعون سنة ويوم بعثه الله عز وجل وذلك في يوم الاثنين.
.........................

ذكر بدو الوحي



روى مسلم في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين، فقال: فيه ولدت وفيه أنزل علي .



وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: نزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة يوم سبع وعشرين من رجب، هو أول يوم هبط فيه. وقال ابن إسحق: ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنزيل في شهر رمضان.
 
وعن عائشة أنها قالت: أول ما ابتديء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. ثم حبب إليه الخالاء فكان يأتي جبل حراء يتحنث فيه، وهو التعبد الليالي ذوات العدد، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها، حتى فجئه الحق وهو في غار حراء فجاءه الحق فيه فقال: اقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق سورة العلق 1، قال: فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال: زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال: يا خديجة مالي وأخبرها الخبر. قال: قد خشيت علي فقالت له: كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق.
ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهو ابن عم خديجة أخي أبيها وكان أمرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، فكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت خديجة: أي ابن عم اسمع من ابن أخيك. قال ورقة: يا ابن أخي ما ترى? فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى صلى الله عليه وسلم، يا ليتني فيها جذعا أكون حيا حين يخرج قومك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أومخرجي هم? فقال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا.
ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا لكي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه يبدى له جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إنك رسول الله حقا. فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه صلى الله عليه وسلم فيرجع، فإاذ طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل عليه السلام فقال مثل ذلك. أخرجاه في الصحيحين.
وعن جابر بن عبد الله: قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي قال في حديثه: فبينا أنا أمشي: سمعت صوتا من السماء، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فجئثت منه رعبا فجئت فقلت زملوني. فدثروني، فأنزل الله عز وجل يا أيها المدثر سورة المدثر 1، أخرجاه في الصحيحين.
ومعنى فجئثت فرقت يقال رجل مجؤوث.
............................................




ذكر كيفية إتيان الوحي إليه صلى الله عليه وسلم






عن عائشة: أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحيانا يأتيني في مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول، قالت عائشة: وقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا أخرجاه في الصحيحين.






واخرجا من حديث يعلى بني أمية أنه كان يقول لعمر: ليتني أرى رسول الله. صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه الوحي. فلما كان النبي. صلى الله عليه وسلم في الجعرانة جاءه رجل فسأله عن شيء، فجاءه الوحي، فأشار عمر إلى يعلى أن تعال، فجاء يعلى فأدخل رأسه فإذا هو محمر الوجه يغط كذلك ساعة ثم سري عنه.



وعن زيد بن ثابت قال: إني قاعد إلى جنب النبي. صلى الله عليه وسلم يوما إذا أوحي إليه و غشيته السكينة ووقع فخذه على فخذي حين غشيته السكينة. قال زيد: فلا والله ما وجدت شيئا قط أثقل من فخذ رسول الله.)ثم سري عنه فقال: اكتب يا زيد.



وفي أفراد البخاري من حديث زيد بن ثابت قال: أملى علي رسول الله.صلى الله عليه وسلم لا يستوي القاعدون من المؤمنين سورة النساء -95 فجاءه ابن أم مكتوم و هو يمليها علي فقال: و الله يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت. و كان أعمى. فأنزل الله عز وجل على رسوله و فخذه على فخذي، فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي، ثم سري عنه فأنزل الله عز و جل غير أولي الضرر سورة النساء -95.


وقال عبادة بن الصامت: كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي كرب له و تربد وجهه.


و قال أبو أروى الدوسي: رأيت الوحي ينزل على رسول الله. صلى الله عليه وسلم و أنه على راحلته فترغو و تفتل يديها حتى أظن أن ذراعها تنفصم، وربما بركت وربما قامت موئدة يديها حتى يسرى عنه من ثقل الوحي، و أنه ليتحدر منه مثل الجمان

.....................................



ذكر رمي الشياطين بالشهب لمبعثه



قال العلماء بالسير: رأت قريش النجوم يرمى بها بعد عشرين يوما من مبعث رسول الله.).




عن ابن عباس قال: انطلق رسول الله. صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، و أرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: مالكم? فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء و أرسلت علينا الشهب. قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث فاضربوا مشارق الأرض و مغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء. قال: فانطلق الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله. صلى الله عليه وسلم بنخلة و هو عامد إلى سوق عكاظ و هو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن تسمعوا له فقالوا:هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء. فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا أنا سمعنا قرانا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به و لن نشرك بربنا أحدا سورة الجن -2 و أنزل الله على نبيه: قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن سورة الجن -1 أخرجاه في الصحيحين.



و عنه قال: كان الجن يسمعون الوحي فيسمعون الكلمة فيزيدون عليها عشرا فيكون ما سمعوه حقا و ما زادوه باطلا. وكانت النجوم لا يرمى بها قبل ذلك، فلما بعث النبي. صلى الله عليه وسلم كان أحدهم لا يقعد مقعده إلا رمي بشهاب يحرق ما أصاب. فشكوا ذلك إلى إبليس فقال: ما هذا إلا من أمر قد حدث، فبث جنوده فإذا هم بالنبي. صلى الله عليه وسلم يصلي بين جبلي نخلة فأتوه فأخبروه فقال: هذا الذي حدث في الأرض.
قال الشيخ: وهذا الحديث يدل على أن النجوم لم يرم بها قبل مبعث نبينا.). وقد روينا عن الزهري أنه قال: قد كان يرمى بها قبل ذلك و لكنها غلظت حين بعث النبي.).

.................................


ذكر اعتراف أهل الكتاب بنبوته






قال كعب الأحبار: نجد نعت رسول الله.)في التوراة: محمد بن عبد الله عبدي المختار، مولده مكة، و مهاجره المدينة، لا فظ و لا غليظ و لا صخاب في الأسواق.



و عن أبي هريرة قال أتى رسول الله. صلى الله عليه وسلم بيت المدراس فقال: اخرجوا إلي أعلمكم. فقالوا: عبد الله بن صوريا. فخلا به رسول الله. صلى الله عليه وسلم فنا شده بدينه وبما أنعم الله به عليهم وأطعمهم من المن و السلوى، وظللهم به من الغمام: أتعلم أني رسول الله? قال: اللهم نعم، و إن القوم ليعرفون ما أعرف، و إن صفتك و نعتك لمبين في التوراة، ولكنهم حسدوك. قال: فما يمنعك أنت? قال: أكره خلاف قومي، و عسى أن يتبعوك و يسلموا فأسلم.






و عن ابن عباس قال: كان يهود قريظة و النضير و فدك وخيبر يجدون صفة النبي. صلى الله عليه وسلم عندهم قبل أن يبعث و أن دار هجرته المدينة فلما ولد رسول الله. صلى الله عليه وسلم قالت احبار يهود: ولد أحمد الليلة. فلما نبيء قالوا: قد نبئ أحمد، يعرفون ذلك و يقرون به و يصفونه، فما منعهم عن إجابته إلا الحسد و البغي.



و عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال: كان الزبير بن باطا - وكان أعلم اليهود - يقول: إني وجدت سفرا كان أبي يختمه علي، فيه ذكر أن أحمد نبي صفته كذا و كذا. فحدث به الزبير بعد أبيه والنبي. صلى الله عليه وسلم لم يبعث، فما هو إلا أن سمع بالنبي. صلى الله عليه وسلم قد خرج إلى مكة فعمد إلى ذلك السفر فمحاه وكتم شأن النبي. صلى الله عليه وسلم و قال: ليس به.



و عن سلمة بن سلامة بن وقش قال: كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل، قال: فخرج علينا يوما من بيته قبل أن يبعث النبي. صلى الله عليه وسلم بيسير، حتى وقف على مجلس بني عبد الأشهل. قال سلمة: وانا يومئذ أحدث من فيه سنا علي بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي، فذكر البعث والقيامة و الحساب و الميزان و الجنة و النار، فقال ذلك لقوم أهل شرك، أصحاب أوثان لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت. فقالوا له: ويحك يا فلان ترى هذا كائنا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها الجنة و النار يجزون فيها بأعمالهم? قال: نعم و الذي يحلف به يود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبقونه عليه، و أن ينجو من تلك النار غدا. قالوا له: ويحك و ما آية ذلك? قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد،و أشار بيده نحو مكة و اليمن، قالوا: ومتى تراه? قال فنظر إلي و أنا من أحدثهم سنا فقال: إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه.



قال سلمة: فو الله ما ذ هب الليل و النهار حتى بعث الله تعالى رسول. صلى الله عليه وسلم و هو حي بين أظهرنا، فآمنا به و كفر به بغيا و حسدا، فقلنا: ويلك يا فلان ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت? قال: بلى و ليس به.


..............................

ذكر بدو دعاء رسول الله

الناس إلى الإسلام روى عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رسول الله. صلى الله عليه وسلم كان يدعو من أول ما أنزلت عليه النبوة ثلاث سنين مستخفيا ثم أمر بإظهار الدعاء.

و قال يعقوب بن عتبة: كان أبو بكر و عثمان و سعيد بن زيد و أبو عبيدة بن الجراح يدعون إلى الإسلام سرا، وكان عمر وحمزة يدعوان علانية، فغضبت قريش لذلك.

..................................

ذكر طرف من معجزاته

اعلم أن معجزات رسول الله. صلى الله عليه وسلم كثيرة، ونحن نذكر طرفا منها: وأكبر معجزاته الدالة على صدقة القرآن العزيز الذي لو اجتمعت الأنس و الجن على أن يأتوا بمثله لم يقدروا وكفى به.

عن ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله. صلى الله عليه وسلم شقتين حتى نظروا إليه، فقال رسول الله. صلى الله عليه وسلم اشهدوا. أخرجاه في الصحيحين و الروايات في الصحيح بانشقاق القمر عن ابن عمر و عباس و أنس.وعن عمران بن حصين قال: كنا في سفر مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم وكنا أسرينا حتى إذا كانا في آخر الليل وقعنا تلك الوقعة، ولا وقعة عند المسافر أحلى منها، قال: فما أيقظنا إلا حر الشمس، وكان أول من استيقظ فلان ثم فلان ثم فلان وكان يسميهم أبو رجاء ونسيهم عوف، ثم عمر بن الخطاب الرابع، وكان رسول الله. صلى الله عليه وسلم إذا نام لم نوقظه حتى يكون هو يستيقظ لانا لا ندري ما يحدث أو ما حدث له في نومه.
فلما أستيقظ عمر ورأى ما أصاب وكان رجلا أجوف جليدا قال فكبر ورفع صوته بالتكبير فما زال يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ رسول الله.صلى الله عليه وسلم فلما استيقظ رسول الله. صلى الله عليه وسلم شكوا إليه الذي أصابهم فقال: لا ضير، أو لا يضير، ارتحلوا فارتحل فسار غير بعيد،ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ، ونودي بالصلاة فصلى بالناس،فلما انتفل من صلاته إذا رجل معتزل لم يصل مع القوم فقال ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم? فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء. قال عليك بالصعيد الطيب فانه يكفيك.

ثم سار رسول الله. صلى الله عليه وسلم فاشتكى إليه الناس العطش فنزل فدعا فلانا كان يسميه أبو رجب ونسيه عوف، ودعا عليا عليه السلام فقال: اذهبا فابغيا الماء فذهبا فلقيا امرأة بين مزادتين أو سطيحتين من ماء على بعيرها فقالا لها: أين الماء? عهدي بالماء أمس هذه الساعة، ونفرنا خلوف. قال: فقالا لها فانطلقي إذا. قالت: إلى أين? قالا: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: هذا الذي يقال له الصابئ? قالا: هو الذي تعنين فانطلقي. فجاءا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثاه الحديث، فاستزلوها عن بعيرها، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء فأفرغ فيه من أفواه المزادتين أو السطيحتين وأوكى أفواههما وأطلق العزالي ونودي في الناس أن اسقوا واستقوا فسقى من شاء واستقى من شاء، فكان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء فقال: إذهب فافرغه عليك. قال، وهي قائمة تنظر: ما يفعل بمائها? قال وأيم الله لقد اقلع عنها وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملئة منها حين ابتديء فيها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجمعوا لها. فجمع لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة حتى جمعوا لها طعاما كثيرا وجعلوه في ثوب وحملوه على بعيرها ووضعوا لاثوب بين يديها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلمين والله ما رزأناك من مائك شيئا ولكن الله عز وجل هو الذي سقانا.
قالت: فأتت أهلها وقد احتبست عنهم فقالوا: ما حبسك يا فلانة? قالت: العجب، لقيني رجلان فذهبا بي إلى هذا الذي يقال له الصابئ ففعل بمائي كذا وكذا، فوالله إنه لأسحر من بين هذه وهذه، وقالت بإصبعها الوسطى والسبابة، فرفعتهما إلى السماء تعني السماء والأرض وإنه لرسول الله حقا. قال: فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على ما حولها من المشركين ولا يصيبون الصرم الذي هي منه. فقالت يوما لقومها: ما أدري هؤلاء القوم الذين يدعونكم عمدا فهل لكم في الإسلام? فأطاعوها فدخلوا في الإسلام. أخرجاه في الصحيحين.
وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالزوراء فإتي بإناء فيه ماء لا يغمر أصابعه أو قدر ما يواري أصابعه فأمر أصحابه أن يتوضؤا. فوضع كفه في الماء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه وأطراف أصابعه، حتى توضأ القوم قال: فقلنا لأنس: كم كنتم? قال: كنا ثلاثمائة. أخرجاه في الصحيحين.
وعن جابر قال: عطش الناس يوم الحديبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة، فتوضأ منها ثم أقبل الناس نحوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لكم? قالوا: يا رسول الله ليس عندنا ما نتوضأ به ولا نشرب ماء إلا في ركوتك فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون. قال: فشربنا وتوضأنا، فقلت لجابر: كم كنتم يومئذ? قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة. أخرجاه في الصحيحين.
وعن أنس بن مالك قال: أصابت الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة إذ قام أعرابي فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا أن يسقينا. فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وما في السماء قزعة فثار سحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحدر على لحيته. قال فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد، ومن بعد الغد، والذي يليه إلى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي أو رجل غيره فقال: يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال، ادع الله لنا. فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا قال: فما جعل يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا انفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة، حتى سال الوادي وادي قناة شهرا فلم يجيء أحد من ناحية إلا حدث بالجود، أخرجاه في الصحيحين.
وعن جابر بن عبد الله قال: كان جذع يقوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم فلما وضع له المنبر سمعنا للجذع مثل أصوات العشار حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه رواه البخاري.


وقد روى محمد بن سعد عن أشياخ له أن قريشا لما تكاتبت على بني هاشم حين أبوا أن يدفعوا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا تكاتبوا أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يخالطوهم في شيء ولا يكلموهم فمكثوا ثلاث سنين في شعبهم محصورين، ثم أطلع الله نبيه على أمر صحيفتهم، وأن الآكلة قد أكلت ما كان فيها من جوار أو ظلم، وبقي فيه ما كان من ذكر الله. فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب فقال أبو طالب أحق ما تخبرني به يا ابن أخي? قال: نعم والله. فذكر ذلك أبو طالب لإخوته وقال: والله ما كذبني قط، قالوا: فما ترى? قال: أرى أن تلبسوا أحسن ثيابكم وتخرجوا إلى قريش فنذكر ذلك لهم قبل أ، يبلغهم الخبر فخرجوا حتى دخلوا المسجد، فقال أبو طالب: إنا قد جئنا لأمر فأجيبوا فيه. قالوا: مرحبا بكم وأهلا. قال: ن ابن أخي قد أخبرني ولم يكذبني قط أن الله قد سلط على صحيفتكم التي كتبتم الأرضة فلحست كل ما كان فيها من جور أو ظلم أو قطيعة رحم، وبقي فيها كل ما ذكر به الله، فإن كان ابن أخي صادقا نزعتم عن سوء رأيكم، وإن كان كاذابا دفعته إليكم فقتلتموه أو استحييتموه إن شئتم. قالوا أنصفتنا، فأرسلوا إلى الصحيفة فلما فتحوها إذا هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقط في أيدي القوم ثم نكسوا على رؤوسهم، فقال أبو طالب: هل تبين لكم من أولى بالظلم والقطيعة? فلم يراجعه أحد منهم، ثم انصرفوا.

.........................................

ذكر طرف من أخباره بالغائبات صلى الله عليه وسلم


عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله أخرجاه في الصحيحين.


وعنه قال شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فقال لرجل ممن يدعي الإسلام: هذا من أهل النار. فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابه جراحة، فقيل: يا رسول الله، الرجل الذي قلت من أهل النار قاتل قتالا شديدا وقد مات. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النار. وكاد بعض القوم يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه لم يمت ولكن به جراح شديد، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله. ثم أمر بلالا فنادى في الناس أنه لا يدلخ الجنة إلا نفس مسلمة وأن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر أخرجاه في الصحيحين.
وعن عبد الله بن مسعود قال: انطلق سعد بن معاذ معتمرا فنزل على أمية بن خلف، وكن أمية إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على سعد، فقال أمية لسعد انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس انطلقت فطفت. فبينا سعد يطوف إذا أبو جهل قال: من يطوف بالكعبة? فقال أنا سعد. فقال أبو جهل: تطوف بالكعبة آمنا وقد آويتم محمدا وأصحابه? قال: نعم. فتلاحيا بينهما، فقال أمية لسعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم فإنه سيد أهل الوادي. ثم قال سعد: والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعنك متجرك بالشام. قال: فجعل أمية يقول لسعد: لا ترفع صوتك. وجعل يمسكه فغضب سعد فقال: دعنا عنك فإني سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يزعم أنه قاتلك. قال: إياي? قال: نعم، قال: والله ما نكذب محمدا إذا حدث.
فرجع إلى امرأته فقال: أما تعلمين ما قال لي أخي اليثربي? قالت: وما قال لك? قال: زعم أن محمدا يزعم أنه قاتلي، قالت فوالله ما يكذب محمد.
قال: فلما خرجوا إلى بدر وجاء الصريخ قالت له امرأته: أما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي? قال: فأراد أن لا يخرج. فقال له أبو جهل: إنك من أشراف الوادي فسر معنا يوما أو يومين فسار معهم فقتله الله.



وعن أنس قال: كنا مع عمر بين مكة والمدينة فتراءينا الهلال، وكنت حديد البصر فرأيته، فجعلت أقول لعمر: أما تراه? فقال: سأراه وأنا مستلق على فراشي. ثم خذ يحدثنا عن أهل بدر، قال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرينا مصارعهم بالأمس، يقول هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله، وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله. قال: فجعلوا يصرعون عليها. قال: قلت والذي بعثك بالحق ما أخطأت رؤيتك، كانوا يصرعون عليها، ثم أمر بهم فطرحوا في بئر فانطلق إليهم فقال: يا فلان، يا فلان، هل وجدتم ما وعدكم الله حقا فإني وجدت ما وعدني الله حقا? فقال عمر: يا رسول الله أتكلم قوما قد جيفوا فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا انفرد بإخراجه مسلم.
.............................

ذكر طرف مما لا قى رسول الله من أذى



صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين وهو صابر


كان أبو طالب يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أتت لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يوما مات عمه أبو طالب للنصف من شوال في السنة العاشرة من المبعث، وهو ابن بضع وثمانين سنة، وتوفيت بعده خديجة بشهر وخمسة أيام، ويقال بثلاثة أيام فحسب، وهي ابنة خمس وستين سنة، وكانت قريش تكف بعض أذاها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات أبو طالب، فلما مات بالغوا في أذاه، فلما ماتت خديجة أقام بعدها ثلاثة أشهر، ثم خرج هو وزيد بن حارثة إلى الطائف فأقام بها شهرا ثم رجع إلى مكة في جوار المطعم بن عدي وما زال يلقى الشدائد.

وعن عبد الله قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على قريش غير يوم واحد، فإنه كان يصلي ورهط من قريش جلوس وسلى جزور قريب منه، فقالوا من يأخذ هذا السلى فيلقيه على ظهره? قال فقال عقبة بن أبي معيط: أنا. فأخذه فألقاه على ظهره. فلم يزل ساجدا حتى جاءت فاطمة صلوات الله عليها فأخذته عن ظهره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم عليك الملأ من قريش، اللهم عليك بعتبة بن ربيعة، اللهم عليك بشيبة بن ربيعة، اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، اللهم عليك بعقبة ابن أبي معيط، اللهم عليك بأبي بن خلف أو أمية بن خلف .



قال عبد الله: فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر جميعا ثم سحبوا إلى القليب غير أبي أو أمية فإنه كان جلا ضخما فتقطع أخرجاه في الصحيحين.
وعن عروة إن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد? قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا أخرجاه في الصحيحين.
وعنه قال قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم. قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة إذ أقل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه به خنقا شديدا فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم?
فصل

فلما أتت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمسون سنة وثلاثة أشهر قدم عليه جن نصيبين فأسلموا. فلما أتت له إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر أسري به.

..........................


ذكر معراجه صلى الله عليه وسلم


عن أنس بن مالك بن صعصعة حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به قال


بينا أنا في الحطيم وربما قال قتادة في الحجر مضطجع إذ أتاني آت فجعل يقول لصاحبه الأوسط بين الثلاثة قال فأتاني وقعد
قال وسمعت قتادة يقول فشق ما بين هذه إلى هذه قال قتادة فقلت للجارود وهو إلى جنبي ما يعني قال من ثغرة نحره إلى شعرته وقد سمعته يقول من قصه إلى شعرته قال فاستخرج قلبي قال فأتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا وحكمة فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض قال فقال الجارود أهو البراق يا أبا حمزة قال نعم يقع خطوه عند أقصى بصره
قال فحملت عليه فانطلق بي جبريل صلى الله عليه وسلم حتى أتى السماء الدنيا
فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إذا فيها آدم صلى الله عليه وسلم قال هذا أبوك آدم سلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح
ثم صعد حتى أتى بي السماء الثانية فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء قال ففتح فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما قال فسلمت فردا السلام ثم قالا مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح
ثم صعد بي حتى أتى السماء الثالثة فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء قال ففتح فلما خلصت إذا يوسف قال هذا يوسف فسلم عليه قال فسلمت
عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح
ثم صعد حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء قال ففتح فلما خلصت إذا إدريس قال هذا إدريس فسلم عليه قال فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح
قال ثم صعد حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء قال ففتح فلما خلصت قال فإذا أنا بهارون قال هذا هارون فسلم عليه قال فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح
قال ثم صعد بي حتى أتي السماء السادسة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت قال فإذا أنا بموسى قال هذا موسى فسلم عليه
فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال فلما تجاوزت بكى فقيل وما يبكيك قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي
قال ثم صعد حتى أتى السماء السابعة فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء قال ففتح فلما خلصت فإذا إبراهيم قال هذا إبراهيم فسلم عليه قال فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح
قال ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا أوراقها مثل آذان الفيلة قال هذه سدرة المنتهى قال فإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران قلت ما هذا يا جبريل قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات قال ثم رفع إلى البيت المعمور
قال قتادة وحدثنا الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أري البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون فيه
ثم رجع إلى حديث أنس قال ثم أتيت باناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل قال فأخذت اللبن قال هذه الفطرة أنت عليها وأمتك قال ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم قال فرجعت فمررت على موسى فقال بم أمرت قلت أمرت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك تعالى وسله التخفيف لأمتك قال فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال بم أمرت قلت بأربعين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع أربعين صلاة كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال فرجعت فوضع عني
عني عشرا أخر فرجعت إلى موسى فقال بم أمرت قلت أمرت بثلاثين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع ثلاثين صلاة كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال فرجعت فوضع عني عشرا أخر فرجعت إلى موسى فقال بم أمرت قلت أمرت بعشرين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع عشرين صلاة كل يوم فاني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني اسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك تعالى فاسأله التخفيف لأمتك قال فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بم أمرت قلت بعشر صلوات كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع عشر صلوات كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني اسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك تعالى فاسأله التخفيف لأمتك قال فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم قال أن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال قلت قد
سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم فلما نفذت ناداني مناد قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي أخرجاه في الصحيحين
عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت ربي تبارك وتعالى رواه الإمام أحمد ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى أرض الحبشة
لما أظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أظهر له المشركون العداوة فمنعه الله بعمه أبي طالب وأمر أصحابه بالخروج إلى أرض الحبشة وقال لهم إن بها ملكا لا يظلم الناس ببلاده فتحرزوا عنده حتى يأتيكم الله بفرج منه فهاجر جماعة وأستخفى آخرون بإسلامهم وكان جملة
من خرج إلى أرض الحبشة ثلاثة وثمانين رجلا وإحدى عشرة امرأة قرشية وسبع غرائب
فلما سمعوا بمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلا وثماني نسوة فمات منهم رجلان بمكة وحبس منهم سبعة وشهد منهم بدرا أربعة وعشرون
فلما كانت سنة سبع من الهجرة كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام فأسلم وكتب إليه أن يزوجه بأم حبيبة وأن يبعث إليه من بقي من أصحابه ففعل فقدموا المدينة فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فتح خيبر 
..........................................
ذكر مقدار إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوة
............................


اختلفوا في ذلك فروى ربيعة عن أنس وأبو سلمة عن
ابن عباس أنه أقام عشر سنين وهو قول عائشة وسعيد بن المسيب وروي عن ابن عباس أنه أقام خمس عشرة سنة
عن ابن عباس قال أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة سبع سنين يرى الضوء ويسمع الصوت وثماني توحى إليه
والصحيح ما أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة ثلاث عشرة سنة ويحمل قول من قال عشر سنين على مدة إظهار النبوة فإنه لما بعث استخفى ثلاث سنين ويحمل قول من قال خمس عشرة سنة على مبدأ ما كان يرى قبل النبوة من أعلامها صلى الله عليه وسلم
....................................
ذكر عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه بالموقف على الناس لينصروه
.................................................. .


عن جابر بن عبد الله قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه بالموقف
ويقول ألا رجل يحملني إلى قومه فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي رواه الترمذي وعنه قال مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي المواسم بمنى يقول من يؤويني من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مصر كذا قال فيأتيه قومه فيقولون احذر غلام قريش لا يفتنك ويمشي بين رحالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع حتى بعثنا الله له من يثرب فآويناه ونصرناه وصدقناه فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون باسلامه حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الاسلام ثم ائتمروا جميعا فقلنا حتى
متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف فرحل إليه منا سبعون رجلا حتى قدموا عليه في المواسم فواعدناه شعب العقبة واجتمعنا عندها من رجل ورجلين حتى توافقنا فقلنا يا رسول الله علام نبايعك قال بايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل والنفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن تقولوا في الله ولا تخافوا في الله لومة لائم وعلى أن تنصروني وتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة
قال فقمنا إليه فبايعناه وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو من أصغرهم وقال رويدا يا أهل يثرب فانا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف فاما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبينة فبينوا ذلك فهو أعذر لكم عند الله قالوا أمط عنا يا أسعد فوالله ما ندع
هذه البيعة أبدا ولا نسلبها أبدا قال فقمنا إليه فبايعناه فأخذ علينا وشرط ويعطينا على ذلك الجنة
...............................
ذكر العقبة وكيف جرى


قال ابن إسحق لما أراد الله تعالى إظهار دينه وإعزاز نبيه وإنجاز موعده خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه في النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج فذكرواأنه قال لهم ممن أنتم قالوا له من الخزرج قال أفلا تجلسون أكلمكم قالوا بلى فجلسوا معه فدعاهم إلى الله تعالى وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن وقد كانوا يسمعون من اليهود أن نبيا مبعوثا قد أظل زمانه فقال بعضهم لبعض والله يا قوم إن هذا النبي الذي تعدكم به اليهود فلا يسبقنكم إليه فأجابوه وهم فيما يزعمون ستة أسعد بن زرارة وعوف بن مالك وهو ابن عفراء ورافع بن مالك بن العجلان وقطبة بن عامر بن حديدة وعقبة بن عامر بن نابى
وجابر بن عبد الله بن رئاب
فلما انصرفوا إلى بلادهم وقد آمنوا ذكروا لقومهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان العام المقبل أتى الموسم اثنا عشر رجلا من الأنصار فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة وهي العقبة الأولى فبايعوه بيعة النساء قبل أن تفترض الحرب وفيهم عبادة بن الصامت قال عبادة بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولى على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف وذلك قبل أن تفترض الحرب فان وفيتم بذلك فلكم الجنة وإن غشيتم شيئا فأمركم إلى الله إن شاء غفر وإن شاء عذب
فلما انصرف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معهم مصعب بن عمير إلى المدينة يفقه أهلها ويقرئهم القرآن فنزل على أسعد بن زرارة فكان يسمى بالمدينة المقرىء فلم يزل يدعو الناس إلى الإسلام حتى شاع الإسلام ثم رجع مصعب إلى مكة قبل بيعة العقبة الثانية
قال كعب بن مالك خرجنا في الحجة التي بايعنا فيها رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالعقبة مع مشركي قومنا فواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة أوسط أيام التشريق ونحن سبعون رجلا ومعهم امرأتان فلما كانت الليلة التي وعدنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم نمنا أول الليل مع قومنا فلما استثقل الناس من النوم تسللنا من فراشنا تسلل القطا حتى اجتمعنا بالعقبة فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عمه العباس ليس معه غيره فقال العباس يا معشر الخزرج إن محمدا منا حيث قد علمتم وهو في منعة من قومه وبلاده وقد أبى إلا الانقطاع إليكم فإن كنتم تخشون من أنفسكم خذلانا فاتركوه في قومه فإنه في منعة من عشيرته وقومه فقلنا
قد سمعنا ما قلت تكلم يا رسول الله فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا إلى الله ورغب إلى الإسلام وتلا القرآن فأجبناه بالإيمان به والتصديق له وقلنا له يا رسول خذ لربك ولنفسك قال إني أبايعكم على أن تمنعوني مما منعتم منه أبناءكم ونساءكم فأجابه البراء بن معرور فقال نعم والذي بعثك بالحق مما نمنع منه أزرنا فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر
فعرض في الحديث أبو الهيثم بن التيهان فقال يا رسول الله إن بيننا وبين أقوام حبالا وإنا قاطعوها فهل عسيت إن أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا فقال رسول الله بل الدم الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني أسالم من سالمتم وأحارب من حاربتم فقال له البراء بن معرور أبسط يدك يا رسول الله نبايعك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا فأخرجوهم وهم أسعد بن زرارة وعبد الله بن عمرو بن حرام وسعد بن عبادة والمنذر بن عمرو ورافع بن مالك بن العجلان وعبد الله ابن وراحة وسعد بن الربيع وعبادة بن الصامت وأسيد بن حضير وأبو الهيثم بن التيهان وسعد بن خيثمة
فأخذ البراء بن معرور بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب عليها فكان أول من بايع وتتابع الناس فبايعوا
قال ابن اسحق فلما أيقنت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بويع وأمر أصحابه أن يلحقوا بالمدينة توامروا بينهم فقالوا والله لكأنه قد كر عليكم بالرجال فأثبتوه أو اقتلوه أو أخرجوه فاجتمعوا على قتله وأتاه جبريل وأمره أن لا يبيت في مكانه الذي يبيت فيه فبات في غيره فلما أصبح أذن له في الخروج إلى المدينة
وعن ابن عباس في قوله وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك قال تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم بل اقتلوه وقال بعضهم بل أخرجوه فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك فبات علي عليه السلام على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار وبات المشركون يحرسون عليا يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم
فلما أصبحوا ثاروا إليه فلما رأوا عليا رد الله مكرهم فقالوا أين صاحبك قال لا أدري فاقتصوا أثره
......................................
ذكر هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

كانت بيعة العقبة في أوسط أيام التشريق وقدم رسول صلى الله عليه وسلم المدينة لأثنتي ليلة خلت من ربيع الأول

قال يزيد بن أبي حبيب خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة في صفر وقدم المدينة في ربيع الأول قال ابن إسحاق دخلها حين ارتفع الضحى وكادت الشمس تعتدل

عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد

القارة قال أين تريد يا أبا بكر فقال أبو بكر أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي قال ابن الدغنة فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج أنت تكسب المعدم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فلم تكذب مرة وأنت بجوار ابن الدغنه وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل فيها وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره
ثم بدا لأبي بكر فبنى مسجدا بفناء داره فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ
القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنه فقدم عليهم فقالوا إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره فقد جاوز ذلك فبنى مسجدا بفناء دره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه وإنا خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فاسأله أن يرد إليك ذمتك فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الإستعلان
قالت عائشة فأتى ابن الدغنة إلى أبي فقال قد علمت الذي عاقدت لك عليه فأما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترجع إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له فقال أبو بكر فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين إني أريت دار هجرتكم ذات
نخل بين لابتين وهما الحرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة وتجهز أبو بكر قبل المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي فقال أبو بكر وهل ترجو ذلك بأبي أنت قال نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر وهو الخبط أربعة أشهر
قال ابن شهاب قال عروة قالت عائشة فبينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر فدى له أبي وأمي والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر قالت فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أخرج من عندك فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال فإني قد أذن لي في الخروج قال أبو بكر الصحبة بأبي أنت يا رسول الله قال رسول الله نعم قال أبو بكر
فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين قال رسول الله بالثمن
قالت عائشة فجهزناهما أحث الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فريطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاقين قالت ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور فمكثنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقف فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش كبائت فلا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام يرعى عليهما عامر ابن فهيرة مولى لأبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهم حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما حتى ينعق
بها عامر بن فهيره بغلس يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الدبل وهو من بني عبد بن عدي هاديا خريتا والخريت الماهر بالهداية قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث فانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم على طريق السواحل
قال ابن شهاب وأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي وهو ابن أخي سراقة بن جعشم أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن جعشم يقول جاءنا رسول كفار قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال يا سراقة إني قد رأيت آنفا أسودة بالساحل أراها محمدا وأصحابه قال سراقة فعرفت أنهم هم فقلت إنهم ليسوا هم ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا ثم لبثت في المجلس ساعة ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي من وراء أكمة فتحبسها علي وأخذت رمحي
فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجه الأرض وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا فخرج الذي أكره فركبت فرسي وعصيت الأزلام تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر كثير الإلتفات ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت ولم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له إن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزأاني ولم يسلاني إلا أن قال أخف عنا فسألته أن يكتب لي كتاب أمن فأمر عامر بن فهيرة فكتب لي
في رقعة من أدم ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثياب بياض وسمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة فانقلبوا يوما بعد ما أطالوا انتظارهم فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من اليهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته يا معشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرونه فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول
الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف وذلك يوم الإثنين من شهر ربيع الأول فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيي أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو ابن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذي أسس على التقوى وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول بالمدينة وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين وكان مربدا للتمر لسهل وسهيل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت به راحلته هذا إن شاء الله المنزل ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا فقالا بل نهبه لك يا رسول الله ثم بناه مسجدا
وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن في ثيابه ويقول وهو ينقل اللبن
هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبر ربنا وأطهر
ويقول
اللهم إن الأجر أجر الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة
فتمثل بشعر رجل من المسلمين ولم يسم لي
قال ابن شهاب ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات انفرد بإخراجه البخاري
وعن البراء بن عازب قال اشترى أبو بكر من عازب سرجا بثلاثة عشر درهما قال فقال أبو بكر مر البراء فليحمله إلى منزلي فقال لا حتى تحدثنا كيف صنعت حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت معه قال فقال أبو بكر خرجنا فأدلجنا فاحتثثنا يومنا وليينا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة فضربت ببصري هل نرى ظلا نأوي إليه فإذا أنا بصخرة فأويت إليها فإذا بقية ظلها فسويته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرشت له فروة وقلت اضجع يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضجع ثم خرجت أنظر هل أرى أحدا من الطلب فإذا أنا براعي غنم فقلت لمن أنت يا غلام فقال لرجل من قريش فسماه فعرفته فقلت هل في غنمك من لبن قال نعم قال قلت هل أنت حالب لي قال نعم فأمرته فاعتقل شاة منها ثم أمرته فنفض ضرعها من الغبار ثم أمرته فنفض كفيه من الغبار ومعي إداوة على فمها خرقة فحلب لي كثبة من اللبن فصببت على القدح حتى برد أسفله ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافيته وقد استيقظ فقلت اشرب يا رسول الله فشرب حتى
رضيت ثم قلت هل انى الرحيل فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا أحد منهم إلا سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له فقلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا فقال لا تحزن إن الله معنا حتى إذا دنا منا وكان بيننا وبينه قيد رمح أو رمحين أو ثلاثة قلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا وبكيت فقال لماذا تبكي قال قلت أما والله ما على نفسي أبكي ولكني أبكي عليك قال فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهم اكفناه بما شئت فساخت قوائم فرسه إلى بطنها في أرض صلد ووثب عنها وقال يا محمد قد علمت أن هذا عملك فادع الله تعالى أن ينجيني مما أنا فيه فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب وهذه كنانتي فخذ منها سهما فإنك ستمر بابلي وغنمي في موضع كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حاجة لي فيها قالودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلق ورجع إلى أصحابه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى قدمنا المدينة فتلقاه الناس فخرجوا في الطرق وعلى الأناجير واشتد الخدم والصبيان في الطريق الله أكبر جاء رسول
الله صلى الله عليه وسلم جاء محمد قال وتنازع القوم أيهم ينزل عليه قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل الليلة على بني النجار أخوال عبد المطلب لأكرمهم بذلك فلما أصبح غدا حيث أمر
قال البراء بن عازب أول من قدم علينا ابن أم مكتوم الأعمى أخو بني فهر ثم قدم علينا عمر بن الخطاب في عشرين راكبا فقلنا ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هو على أثري ثم قدم رسول الله ومعه أبو بكر قال البراء ولم يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قرأت سورا من المفصل أخرجاه في الصحيحين
وعن أنس أن أبا بكر حدثه قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار لو أن أحدهم نظر إلى تحت قدميه لأبصرنا تحت قدميه فقال يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما أخرجاه في الصحيحين حديث أم معبد
عن أبي معبد الخزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة
إلى المدينة هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ودليلهم عبد الله بن أريقط الليثي فمروا بخيمتي أم معبد الخزاعيه وكانت امرأة جلدة برزة تحتبي وتقعد بفناء الخيمة تسقي وتطعم فسألوها تمرا ولحما يشترون فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك فإذا القوم مرملون مسنتون فقالت والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة فقال ما هذه الشاة يا أم معبد قالت هذه شاة خلفها الجهد عن الغنم فقال هل بها من لبن قالت هي أجهد من ذلك قال أتأذنين لي أن أحلبها قالت نعم بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلبا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشاة فمسح ضرعها وذكر اسم الله وقال اللهم بارك لها في شاتها قال فتفاجت ودرت واجترت فدعا بإناء لها يربض الرهط فحلب فيه ثجا حتى غلبه الثمال فسقاها فشربت حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا وشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم آخرهم وقال ساقي القوم
آخرهم شربا فشربوا جميعا عللا بعد نهل حتى اراضوا ثم حلب فيه ثانيا عودا على بدء فغادره عندها حتى ارتحلوا عنها فقلما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا حيلا عجافا هزلى ما تساوق مخهن قليل لا نقى بهن فلما رأى اللبن عجب فقال من أين لك هذا والشاة عازبة ولا حلوبة في البيت قالت لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت قال والله إني لأراه صاحب قريش الذي يطلب صفيه لي يا أم معبد قالت رأيت رجلا ظاهر الوضاءة متبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة ولم تزر به صعلة وسيم قسيم في عينيه دعج وفي أشفاره وطف وفي
صوته صحل أحور أكحل أزج أقرن شديد سواد الشعر في عنقه سطع وفي لحيته كثاثة إذا صمت فعليه الوقار وإذا تكلم سما وعلاه البهاء وكأن منطقه خرزات عقد يتحدرن حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر أجهر الناس وأجملهم من بعيدو أحلاهم وأحسنهم من قريب ربعه لا تشنؤه من طول ولا تقتحمه عين من قصر غصن بين غصنين فهو أنظر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا له رفقاء يحفون به إذا قال استمعوا لقوله وإن أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود لا عابس ولا مفند
قال هذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر ولو كنت وافقته لا لتمست أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا
وأصبج صوت بمكة عاليا بين السماء والأرض يسمعونه ولا يرى من يقوله وهو يقول
جرى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر وارتحلا به ... فأفلح من أمسى رفيق محمد
فيال قصي ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا تجازى وسودد
سلوا أختكم عن شاتها وانائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت ... له بصريح ضرة الشاة مزبد
فغادره رهنا لديها لحالب ... بدرتها من مصدر ثم مورد
فأصبح القوم وقد فقدوا نبيهم وأخذوا على خيمتي أم معبد حتى لحقوا النبي صلى الله عليه وسلم قال فأجابه حسان بن ثابت يقول
لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم ... وقدس من يسرى إليه ويغتدي
ترحل عن قوم فزالت عقولهم ... وحل على قوم بنور مجدد
فهل يستوي ضلال قوم تسكعوا ... عمى وهداة يهتدون بمهتدى
نبي يرى مالا يرى الناس حوله ... ويتلو كتاب الله في كل مشهد
فإن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقها في صخوة اليوم أو غد
ليهن أبا بكر سعادة جده ... بصحبته من يسعد الله يسعد
ويهن بني كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمسلمين بمرصد
قال عبد الملك بن مروان فبلغنا أن أم معبد هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسلمت
تفسير غريب الحديث البرزة الكبيرة والمرملون الذين نفد زادهم ومستون من
السنة وهي الجدب وكسر الخيمة جانبها والجهد المشقة وتفاجت فتحت ما بين رجليها للحلب ويربض الرهط يثقلهم فيربضوا والثج السيلان والثمال الرغوة وقوله عللا بعد نهل أي مرة بعد أخرى حتى أراضوا أي رووا والحيل اللواتي لسن بحوامل والنقى المخ والشاة عازب أي بعيدة في المرعى متبلج الوجه
مشرقة والثجلة عظيم البطن واسترخاء أسفله والصعلة صغر الرأس والوسيم الحسن وكذلك القسيم والدعج السواد في العين والوطف الطول في هدب العين والصحل كالبحة والأحور الشديد سواد أصول أهداب العين خلقه والأزج من الزجج وهو دقة الحاجبين وحسنهما والأقرن المقرون الحواجب والسطع الطول وقولها إذا تكلم سما تريد علا رأسه أو يده وقولها لا نزر ولا هذر تريد أنه ليس بقليل ولا كثير وقولها لا تقتحمه عين من قصر أي لا تحتقره والمحفود المخدوم والمحشود من قولك احتشدت لفلان في كذا إذا أعددت له وجمعت وقولها ليس بعابس الوجه ولا فيه أثر هرم والفند الهرم والصريح الخالص والضرة لحم الضرع
.........................



ذكر ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة
..........................................
قال الزهري نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بقباء فأقام فيهم بضع عشرة ليلة وقال عروة مكث بقباء ثلاث
ليال ثم ركب يوم الجمعة فمر على بني سالم فجمع بهم وكانت أول جمعة صلاها حين قدم المدينة ثم ركب في بني سالم قمرت الناقة حتى بركت في بني النجار على دار أبي أيوب الأنصاري فنزل عليه في سفل داره وكان أبو أيوب في العلو حتى ابتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجدا ومساكنه
عن عائشة قالت قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهي وبيئة فمرض أبو بكر فكان إذا أخذته الحمى يقول
كل امريء مصبح في رحله ... والموت أدنى من شراك نعله
وكان بلال إذا أخذته الحمى يقول
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل
اللهم العن شيبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من مكة فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لقوا قال اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد اللهم صححها وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها إلى الجحفة قالت فكان المولود يولد بالجحفة فما يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى أخرجاه في الصحيحين

0 التعليقات:

إرسال تعليق